الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } جمع الله سبحانه جملا من الخصال الحميدة من الفرائض والسنن والايمان والمعرفة والثقة بوجوده فيمن يجوز له عمارة مجالس انس العارفين والمحبين والعابدين والمطمئنين والمراقبين وتلك العمارة يكون بخلو قلبه عما دون الله عند دخوله فى مساجد الله وطهارة سره عن شواغل الطبيعة وغبار الوسوسة قال بعضهم عمارة المسجد بعمارة القلب عند دخوله بصدق النيّة وحسن الطويّة وطهارة الباطن لله كما طهرت طاهرك بأمر الله ودخول المسجد بالخروج عن جميع الاشغال والموانع فذلك من عمارة المساجد قوله { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } ان الله سبحانه وصف المهاجرين في الاية المتقدمة بخروجهم مما دون الله لوجدان رضوانه وبشارته بلقائه وغفرانه وهو تعالى لما وجدهم اسارى سلب مشاهدته والمقيدين باسر محبته ولم ير فى قلوبهم من الفرش الى الثرى غير انوار الايقان والعرفان بشرهم بنفسه بلا واسطة واذا كان المبشر واسطة بين الاحياء والحبيب فهو عظيم كما قيل
لولا تمتع مقلتي بلقائه   لوهبتها لمبشري بإيابه
لا سيما والحبيب هو مبشرهم بنفسه وبشارته خطاب مع كشف المشاهدة ومن يطيق ان يسمع بشارته بوصاله مع كشف جماله ان يبقى عند حسن شهوده ولذة خطابه وهذا كما انشد
تراءيت لى بالغيب حتى كانما   تبشرنى بالغيب انك بالكف
اراك وبى من هيبتى لك وحشة   فنونستى باللطف منك وبالعطف
ويحيى محيا انت فى الحب حتفه   وذا عجب كون الحياة مع الحتف
بشرهم برحمته ورحمته كشف جماله بلا حجاب وهو اوّل درجة العارفين ثم بشرهم بالرضوان وهو الوصال بنعت المؤانسة بلا كدورة الهجران ثم بشرهم بدخولهم فى جنات قربات الصفات والذات بنعت تحصيل علوم الازال والاباد من رؤيتها والبقاء فى بعضها بنعت الدوام فى نعيم واى جنة اشرف من تجلى جلاله وجماله لعرفانه بشر المؤمنين بالرحمة وبشر المطيعين بالجنة وبشر العارفين بالرضوان والوصلة وايضا بشر التائبين بالرحمة وبشر الصادقين بالمشاهدة وبشر المحبين بالمجاورة وقال ابو عثمان هو الذي يستجلب رضوانه ورضوانه يوجب مجاورته ومجاورته توجب النعيم الدائم قال الله { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } الاية ويقال ان القلوب مجبولة على حب من يبشر بالخير فاراد الحق سبحانه ان يكون محبة العبد له سبحانه على الخصوص فتولى بشارته بعزيز خطابه من غير واسطة فقال { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم }.