الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } اخبر سبحانه عن كريم ميلاده عليه السلام وعظيم ميعاده ومراده وشرف بها امته حيث اختاره منها باصطفائيته رسالته وعظم شانه والحمد لله الذى جعل طينته من طينتنا وشرف طينتنا حيث جعلها من طينته وخص جوهر روحه من ارواحنا وشرف ارواحنا حيث كانت مع روحه فى اول بديهة الامر من الله سبحانه واى كرامة اعظم كرامة من ان الله سبحانه جعل نبينا من انفسنا وارسل الينا بالرافة والرحمة واكرم خليقته حيث جعله رحمة للعالمين قالوَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } قال الخراز اثبت لنفسك خطرا حين قال { رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } قال الحسين من اجلكم نفسا واعلاكم همة جاد بالكونين عوضاً عن الحق ما نظر الى الملكوت ولا الى السدرةمَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } قلبه عن موافقته قال ابن عطاء نفسه موافقة لانفس الخلق خلقة ومباينة لها حقيقة فانها نفس مقدسة بانوار النبوة مؤيدة بمشاهدة الحقائق ثابتة فى المحل الادنى والمقام الاعلى ما زاغ وما طغى ثم زاد فى وصفه بقوله { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } اشتد عليه مخالفتنا مع الحق ومتابعتنا هوانا واحتجابنا عن الحق قال بعضهم شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف قال سهل شديد عليه غفلتكم عن الله ولو طرفة عين ثم زاد فى وصفه بقوله { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } اى حريص على محبتكم بمشاهدة الله ومعرفة صفاته وذاته وعلى متابعتكم امر الله رءوف برافة الله بالمؤمنين ورحيم رحمة من الله على الصادقين رءوف باهل الجنايات من المذنبين ورحيم على اهل الطاعات من المقصرين فيها تشفع لاهل الجنايات ويدعو لاهل الطاعات وهذا من اتصافه بصفة الله حيث البسه انوار عنايته وزينه بلطفه وشفقته قال بعضهم فى قوله { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } اى على هدايتكم لو كانت الهداية اليه مشفق على من اتبعه ان ياتيه نزغة من نزغات الشيطان رحيم يستجلب برحمته له رحمة الله اياه وقال { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } ان تبلغوا محل اهل المعرفة قال جعفر الصادق علم الله عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكى تعلموا انهم لا ينالون الصفو من خدمته فاقام بينه وبينهم مخلوقاً من جنسهم فى الصورة فقال { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ } الاية فالبسه من نعته الرأفة والرحمة واخرجه الى الخلق سفيرا صادقاً وجعل طاعته طاعته ومرافقته موافقته فقالمَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } ثم افرده عليه السلام لنفسه خاصة بعد ان كان من جنسهم بالصورة فآواه الى نفسه بشهوده عليه فى جميع انفاسه وسلى قلبى باغراضهم عن متابعته بقوله { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } فى امر النبوة وشرف الرسالة وجماله حسبى عن الجملة وقربه ووصاله يكفينى عن بيع مراتب الثقلين لانه بوحدانيته منزه عن الاضداد فنزهنى عن صحبة الأغيار بمشاهدة الانوار بوصفه لنفسه { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اى لا غير في البين من العرش الى الثرى { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } لا على نفسى وغيرى فانه عماد المتوكلين وبه يثبت قلوب الصادقين { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } حيث البس العرش أنواراً تصيّره عظيماً بعظمة عظمته ولولا ذلك لذاب العرش في سبحات وجهه باقل لمحة.