الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ }

قوله تعالى { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } التوبة توبتان توبة العبد وتوبة الله توبة العبد الرجوع من الزلات الى الطاعات وتوبة الله رجوعه الى الله بنعت الوصال وفتح باب المآب وكشف النقاب عن الاحتجاب وطلب العتاب
اذا مرضتم اتيناكم نعودكم   وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
انظر لطف الله بنبيه واصحابه كيف تاب لاجلهم مكان توبتهم رجع اليهم قبل رجوعهم اليه ليسهل عليهم طرق الرجوع اليه فرجعوه الى نبيه بكشف المشاهدة ورجوعه اليهم بكشف القربة فتوبة النبى عليه السلام من غيبته عن المشاهدة باشتغاله باداء الرسالة وتوبة القوم من غيبتهم عن ملاحظة الحضرة فلما ذاقوا طعم الجنايات واحتجبوا عن المشاهدات ادركهم فيض الوصال وانكشف لهم انوار الجمال وهكذا سنة الله مع الانبياء والأولياء اذا دانوا فى مقام الامتحان وبقوا فى الحجاب عن مشاهدة الرحمن يمطر عليهم وبل سحاب الكرم ويلمع لأبصار اسرارهم نور شرق القدم فيؤنسهم بعد اياسهم ويوصلهم بعد قنوطهم قال تعالىوَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } وقالحَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } وانشد فى معناه
كنا لكن اليس اكفائه   وقرب النعش من الملحد
فحال ماء الروح فى جسمه   فرده اصل الى المولد
تبارك الله سبحانه   ما كل هو بالسرمد
قال بعضهم توبة النبى صلى الله عليه وسلم هى مقدمة توبة الامة ليصح بالمقدمة التوابع من توبة التائبين وقال بعضهم توبة الانبياء لمشاهدة الخلق فى وقت الابلاغ اذ الانبياء لا يغيبون عن الحضرة بل لا يحضرون فى مواضع الغيبة لانهم فى عين الجمع ابدا ثم خص الثلاثة الذين غرقوا فى بحار الامتحان برجوعه عليهم بقبول توبتهم بقوله { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } انبسطت عرصات قلوبهم لتراكم غيوم القبض وتتابع على اسرارهم انوار العظمة فابرزت الارض من عظائم برحاء مواجيدهم وتراكم حقائق همومهم فلا يبقى ذرة من الارض الا واستغرقت فى بحار انفاسهم الملكوتية واحترقت بنيران افئدتهم الجبروتية وما راوا على وجه الارض ما يستأنسون به غير الله ثم وصف نفوسهم بفنائها فى اثار قلوبهم بقوله { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } ضاقت نفوسهم من حمل وارد الغيب عليهم وعن اثقال ارواحهم التى هى مطايا اسرار الالوهية ولطائف كنوز الربوبية وفنوا تحت سلطان كبريائه ودخلوا تحت اكناف لطفه من عزائم قهره بقوله { وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } عرفوا موضع الفرار منه اليه فقطعوا الوسائط وخاضوا فى بحار القهر بسفن اللطف فلما رآهم منفردين من دونه اقبل اليهم بنوادر لطفه ليقبلهم من الكون الى وجهه بقوله { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } رفع حجاب الحشمة من البين ليدخلوا الحضرة بوصف الانس اشتاب اليهم فشوقهم اليه ثم وصف نفسه بانه قابل التوبة فى الازل رحيم على من رجع اليه بان آمنه بعد خوفه وقربه بعد بعده قال ابو عثمان من رجع الى الله والى سبيله فليكن صفته هذه الاية تضيق عليه الارض حتى لا يجد فيها لقدمه موضع قرار الا وهو خائف ان الله ينتقم منه فيها ويضيق عليه احوال نفسه فينتظر الهلاك مع كل نفس هذه اوائل دلائل التوبة النصوح ولا يكون له ملجأ ولا معاد ولا رجوع الا الى الله بانقطاع قلبه عن كل سبب قال الله { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ } وقيل فى قوله { وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } لن يعتمدوا حبيبا ولا خليلا ولا كليماً بل قلوبهم منقطعة عن الخلق اجمع وعلى الاكوان كلها لذلك قيل المعارف ان تلاحظ حبيباً ولا خليلا ولا كليماً بل قلوبهم منقطعة عن الخلق اجمع وعلى الاكوان كلها لذلك قيل المعارف ان تلاحظ حبيباً ولا خليلا ولا كليما وانت تجد الى ملاحظة الحق سبيلا وقال احمد بن خضرويه لابى يزيد بماذا اصل الى التوبة النصوح قال بالله وبتوفيقه { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } قال بعضهم عطف عليهم بتوارى عطفه ونعمه وفضله فالفوا احسانه ورجعوا اليه فكان هو الذى اخذهم الى نفسه لا هم بانفسهم رجعوا اليه قال الاستاذ اذا اشرفوا على العطب وقاربوا من التلف واستمكن الباس من قلوبهم من النصر وظنوا نفوسهم على ان يذوقوا اليهم الباس مطر عليهم سحاب الجود بالاجابة فيعود عود الحياة بعد يبسه طريا ويرد ورد الانس عقب ذبوله غضا جنيا وقال فى وصف الثلاثة لما صدق منهم اللجاء سبق اليهم الشفاء وسقط عنهم البلاء وكذلك الحق يكون نهار اليسر على ليالى العسر ويطلع شموس المنة على نحوس الفتنة ويدير فلك السعادة فيمحق تاثير طوارق النكادة سنة منه سبحانه لا يبدلها عادة فى الكرم يجريها ولا يحولها ثم حث هؤلاء المخاطبين بالتوبة والمغفرة ونظر انهم من المؤمنين بطلب زيادة المقامات والدرجات وحذرهم عن نفسه وطالبهم بالصدق فى وقاء المعرفة بقوله { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } جعل الطريق على ثلاثة اقسام الايمان والتقوى والصدق وهي من أعمال القلوب لأنها تثبت حقائقها بكشف أنوار الغيوب, ومن خص بالإيمان والتقوى والصدق يدرك بالايمان مشاهدة انوار حقائق الايات ويدرك بالتقوى مشاهدة انوار الصفات ويدرك بنور الصدق مشاهدة انوار الذات سماهم مؤمنين ودعاهم من مقام الايمان الى مقام التقوى وهو رؤية اجلاله والتبرى من غيره ودعاهم من التقوى الى مقام الصدق وهو مقام الاستقامة مع الله حيث لا يفر الصادق منه ببلائه وبين ان المؤمن مستعد لادراك نور التقوى وادراك نور الصدق ولولا ذلك ما حثهم على طلبها وخوف المؤمنين عن مخالفة الصادقين اى اقبلوا يا اهل الايمان ما يصدر من الصادقين من احكام علوم المجهول الغريبة والبراهين العجيبة حتى يكونوا بالايمان بهم معهم فى مقام المشاهدة لذلك قال عليه السلام

السابقالتالي
2