الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قوله تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } ان الله سبحانه اذا ذاق طعم وصاله ولذائذ حلو خطابه ارواح الصديقين والعارفين وأراهم جماله وجلاله فجعلهم عاشقين بوجهه شائقين الى جماله وهم بهذه النعوت لا يبرحون عن بابه ولا يفرحون الا بوصاله ولا يلتفتون بقلوبهم ونياتهم الى غيره فلما اصطفاهم بهذه الصفات فى الازل بنفسه كيف بحجبهم عن نفسه وهو بذاته كان محباً بحبهم وعاشقاً بعشقهم وشوقا الى شوقهم حاشا تغيير فى اصل الصفات ولا تبديل لكلمات الله التامات التى سبقت باصطفائيتهم فى الآزل وآزال الآزال وهم بحمد الله فى كنف الله محروسون بعين لطفه عن عين قهره الى الاباد وآباد الآباد ولا اعتبار بما يجري عليهم من احكام الابتلاء والامتحان فان سيآتهم توجب الحسنات وحسناتهم توجب القربات وهم غير مأخوذين بالجنايات لسبق العنايات وقوله تعالى { حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } لا يمنع تغير ما ذكرنا فان الضلال هٰهنا ظهور النكرة فى محل الامتحان من القهر والغيرة وخفاء الحال والغرض فى ذلك انفتاح عين المعرفة فى النكرة حتى يعرفوا الحق بطريق القهر واللطف وتأويل الظاهر قال بعضهم من جرى له فى الازل من السعادة والعناية نصيب فان الجنايات لا يوثر عليه قال الله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً } فى الابد { بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } فى الازل وقيل لا يضلهم عند اذ هداهم اليه وقال الاستاذ الاشارة فيه انه لا سلب لعطائه الا بترك الادب منكم ويقال من اهله لبساط الوصلة ما منى بعده بعذاب الفرقة الا لمن سلف منه ترك الحرمة ثم وصف نفسه بانه مالك الملك من العرش الى الثرى اعلاما بان الحكم له فى الضلالة والهداية والحياة بالوصلة والموت بالفرقة بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } اشارة القهر ان ملك الكون لا خطر فى قلب العارف عند رؤية المكون لان من عاين المكون غاب عن الكون والكون له لان العارف والمعروف بشرط الانبساط واحد له ملك الولاية فى الارض وملك الملكية فى السماء ومن قصده بهذين المنزلتين يكون مرهوناً لدرجات عن المشاهدات التى يحيى قلوب العشاق بجمالها ويميت المشغولين بغيره بفراقها يحيى قلوب العارفين بالبسط والانس ويميت نفوسهم بالقبض والهيبة قال ابن عطاء من طلب من الملك غير المالك فقد اخطا الطريق وقال جعفر الاكوان كلها له فلا يشغلك ماله عنه قال الاستاذ يحيى من يشاء بعرفانه وتوحيده ويميت من يشاء بكفرانه والحاده ويقال يحيى قلوب العارفين بانوار المواصلة ويميت نفوس العابدين باثار المنازلة.