الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } يقتضى همة المعرفة انه اغار على نفسه فى الازل بعد ان وصف نفسه بمحبتهم فمنهم عن نفسه وشغلهم بنعمه مكرا بهم واستدراجا اشترى نفسه منهم لانه بذاته نفس الكل حيث قامت الوجود بنفسه ولولا قيامة على شئ تلاشت الاشياء ما قل من لمحة عرض نفسه الحدثان ولم يرها اهلا لنفسه فاشترى نفسه من نفسه لعلمه بضعف الخلق عن حمل وارد تجلى عظمة نفسه وكيف يقوم الحدث جلال القدم هو تعالى قيمة نفسه لا غير اشترى شفقة عليهم كيلا يتلاشوا فى سبحات عزته ثم اشترى اموالهم وهى كشوف نعوته الازلية وتمتعهم بمشاهدتها حتى لا يبقى سر العدم الا فى القدم فلما قطعهم عن رؤية سسبحات القدم بالحقيقة شغلهم بما يليق بهم وهى الجنة وايضا لم ير للنفوس والاموال نفاسة حيث اشتراها بالجنة ولو كان لها موقع لاشتراها بنفسه لا بشئ محدث وايضا اشترى النفوس لانها حجاب القلب من الرب وكذلك المال حتى لم يبق بينه وبين الرب حجاب وايضاً اشترى منهم النفوس التى تحت سلطانهم بالمجاهدات وما اشترى قلوبهم لان قلوبهم لم يدخل تحت املاكهم فانها مستغرقة فى رؤية الصفات وقال ابن عطاء نفسك موضع كل شهوة وبلية ومالك محل كل اثم ومعصية فاراد ان يزيل ملكك عما يضرك ويعوضك عليه ما ينفعك عاجلا واجلا قال سهل لا نفس للمؤمن لانها دخلت فى البيع من الله فمن لم بيع من الله حياته الفانية كيف يعيش مع الله ويحيى حياة طيبة قال الله { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } وقال جعفر فكر بهم على لسان الحقيقة ولسان المعاملة اشترى منهم الاجساد لمواضع وقوع المحبة فى قلوبهم فاحياهم بالوصلة وقال الحسين نفوس المؤمنين نفوس ابية استرقاها الحق فلا يملكها سواه وقال النصرابادى سئل الجنيد متى اشترى قال حين لا متى ازال عنهم العلل بزوال ملكهم عن انفسهم واموالهم ليصلحوا لمجاورة الحق ومخاطبه وقال النصرابادى اشترى منك ما هو صفتك والقلب تحت صفته لم يقع عليه المبايعة قال النبى صلى الله عليه وسلم " قلب ابن ادم بين اصبعين من اصابع الرّحمن " فقال النفس محل الغيب والكريم يرغب فى شراء ما يزهد فيه غيره وما سنح لى بعد قولهم وما ذكرت فى مقدم قولهم انه تعالى البس النفوس حين اوجدها لباس قهر الربوبية فاستحطت من مباشرته وصف الكبرياء فلما اتصف بقهره تعالى نازعته فعلم الحق تعالى لو تركها مع المؤمنين اغوتهم كما اغوت فرعون بقولهأَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } وكما قال ابليسأَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } فهلكها بقهره حتى لا يبقى فى المؤمن غير العبودية ثم ان الله سبحانه فرّح فؤاد العارفين بوفائه معهم وخطابه بأخباره عن صدقه بوفائه ليكونوا فى بذل وجودهم وقتل نفوسهم والجهاد مع عدوهم على حسن الظن فى الله وحسن الرضا الى وعد الله وفائه بعهده بقوله { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } اى كل حادث ناقص فى امر المستقبل والقديم منزه عن نقائص الحدثان فيفعل بموجب الاخبار على موافقة الحكم ويعطى للعبد ما وعد به واكثر إظهاراً لربوبيته ومنا على عباده قال الحسين عهد الحق فى الازل الى خواصه باختصاص خاصية خصهم من بين تكوينه فاظهر اثار انوار ذلك عليهم عند استخراج الذر فراى ادم الانوار يتلالأ فقال من هؤلاء ثم اظهر سمات ذلك حين اوجدهم وهو اثار ذلك العهد الذى عهد اليهم فوفى لهم بعهودهم ومن اوفى بعهده من الله ثم ان الله سبحانه بشر المؤمنين باشترائه نفوسهم منهم وبما يجازيهم بها من لطفه وكرمه وفضله ومشاهدته بقوله { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } اضاف اشتراء النفوس الى نفسه اشتراها فى الازل واضاف بيعها الى المؤمنين واين المؤمنون فى الازل واقام نفسه مقام المؤمنين لاشارة مقام الاتصاف والاتحاد كما اشار الى النبى صلى الله عليه وسلم بقوله

السابقالتالي
2 3 4