الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } بين الله سبحانه ان تاسيس كل عبادة لا يكون الا بالتقوى والتقوى بطهور الاسرار عن النظر الى الاغيار وكل موضع يتضرم فيه ونيران التقوى تحرق جميع الاوصاف النفسانية والشيطانية من الشرك والشك والرياء والنفاق والسمعة ولا يبقى هناك الا صفاء السّر وطهارة الضمير وخلوص النية وصفاء القلب وتجريد ذكر الله عن ذكر مخلوق واذا كان كذلك يكون العبادة والارادة تبلغ الايمان والايقان الى درجة العرفان والعرفان يبلغ هذه المراتب الى درجة التوحيد والتوحيد يبلغ الجميع الى مشاهدة الموحد حتى صارت كل غيبة عياناً وكل نكرة عرفاناً وكل ايهام بيانا قال الله تعالىإِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وفى هذه الاية عرفنا الله سبحانه ان الشرّ قديم وفى كل زمان لكل صادق قيض الله لا بذاته ملعوناً سالوساً يؤذيه قال تعالىوَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } ومن جمله من كان يوذى نبينا صلى الله عليه وسلم ابو عامر الفاسق وكان راهباً امر المنافقين ليبنوا مسجدا ضداً لمسجد قباء او مسجد النبى صلى الله عليه وسلم رياء وسمعة ونفاقاً وصدّاً للخلق عن الدخول فى الاسلام كذلك فى زماننا هذا لبسوا الصوف واظهروا الزهد وبنوا بقاع السّوء وجلسوا فيه بالاربعين ويرسلون الشياطين الى ابواب الاتراك والعوانين حتى يقولوا ان فلاناً فى الاربعين ينبغى ان تزوروه فانه من اولياء الله ويريدون بذلك جر المنفعة اليهم وصرف وجوه الناس اليهم مع مضادات اولياء الله فاذا دخلوا عليهم احد من العوام يقعون فى ذكر مساوى اولياء الله وعيبهم وقبح المقال فيهم ليصدوا الناس عن التبرك بهم والاعتقاد فيهم يخونون الله ويخونون اولياء بالله والله لا يهدى كيد الخائنين طهر الله وجه الارض من مثلهم قال ابو بكر الوراق فى قوله { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ } من صحح ارادته بداً ولم يعارضه شك او ريبة فان احواله تجرى على الاستقامة وتصحيح الارادة هو الخلع عن مراده اجمع والرجوع الى مراد الله فيه قال الله { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ } قال ابو عثمان ارض الفتنة لا تنبت فيها الا الفتنة وارض الرحمة تصيب الانسان رحمته ولو بعد حين ثم ان الله سبحانه وصف اهل القباء بتقديس اسرارهم وعلو مراتبهم وقبولهم فى الازل لمحبته لهم بقوله { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } وصفهم بحب الطهارة ووصف نفسه تعالى بحب المطهرين والطهارة طهارة الاسرار من الخطرات وطهارة الارواح من الغفلات وطهارة القلوب من الشهوات وطهارة العقول من الجهلات وطهارة النفوس من الكفريات وطهارة الابدان من الزلات ومن احبه الله فى الازل يطهره فى الدنيا ممّا يشغله عن الله طرفة عين فان المحب لا يترك حبيبه فى شئٍ يضرّ به قال سهل الطهارة على ثلاثة اوجه طهارة العلم من الجهل وطهارة الذكر من النسيان وطهارة الطاعة من المعصية وقال بعضهم { يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } اى يطهروا اسرارهم عن دنس الاكوان ثم وصف سبحانه هؤلاء الرجال وتأسيسهم بناء الطاعات على موافقة الله ورسوله وطلب رضوانه بقوله { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ } لله بنيان وهى قلوب الصديقين وفيها مناظر القدس ومحافل الانس تحفوها أنوار تجلى الحق سبحانه { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } قلبه بعد تطهيره عن دنس الاخلاق وتنويره بنور الخلاق لذكر جلاله وتعظيم عظمته وحب لقائه وشوقه الى جماله ومعرفته وتوحيده وافراد قدمه عن الحوادث بنعت فنائه فى احتشام الله وخوفه واجلاله وخشيته من كبريائه ومراقبته خطابه واسراره وطلب رضوانه ووصاله يصل بهذه الاوصاف الى ان يكون قلبه موضع اسرار الله ولطائف رضوان الله وظرف محبة الله ومحل زيارة الله كما حكى النبى صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه بان له تعالى ظروف اسراره فى الارض قال

السابقالتالي
2