الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي الذين شاهدوا بارواحهم مشاهدة الازل حين عرف سبحانه نفسه لها بتحقيق الخطاب بقولهأَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } فصحبها انوار مشاهدته من الازل الى الابد بنعت المعاينة وحلاوة السماع ومواجيد واردات القرب مع اتصال نور الغيب على السرمدية وهاجروا عن حظوظ طباعها من الاكوان والحدثان وجاهدوا فى مكائدتها فى محل الامتحان مع النفس والشيطان لرضى الرّحمن وجوف الهجران فلما اتصفوا بهذه الاوصاف حصل لهم حقائق الايمان وعرفان وسمَّاهم محققين فى الايقان بقوله { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ثم ذكر امتنانه عليهم بغفرانه اياهم حركات ضمائرهم فى وقت الامتحان وتقصيرهم فى حقيقة العرفان وكشف جماله لهم فى مرآة البرهان بقوله { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } سترهم عن عين القهر حتى لا تصل اليهم ضرب عين القهريات ورزقهم رزق قربة بكشف المواصلات قال ابو يزيد جهاد النفس فى هجرانها نزعها عن المالوفات واجراؤها على سبيل الله باسقاط العلائق عن المال والاهل وذلك قوله { وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ } وقال بعضهم اى فارقوا قرناء السوء والاعمال القبيحة والدعاوى الباطلة قال بعضهم امنوا ببذل القلوب لله وهاجروا ببذل الاملاك لله وجاهدوا بذلوا الروح لله فى سبيل الله فمن بذل قلبه لمحبته وبذل ملكه لرضاه وبذل نفسه وروحه لاعزاز دينه كان محبا حقيقة ومن كان محبا حقيقة كان مؤمنا حقاً قال ابو بكر الفارس فضل اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بشيئين بصحبتهم مع النبى صلى الله عليه وسلم والمجاهدة معه وهجرانهم الى الله بالسرائر وغربتهم مع انفسهم الا ترى الله يقول { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من طوارق الخذلان { وَهَاجَرُواْ } بقلوبهم فى ملكوت الغيوب { وَجَاهَدُواْ } انفسهم على طاعة رسوله { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } حقيقة ايمانهم ما قدم من الثناء عليهم والله اعلم.