الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } حذر أولياءه عن المشابهة بهؤلاء المرائين الذين يخرجون من دورهم وزواياهم الخبيثة بالوان زى السالوسين ويتبخترون فيها من فرجهم بالجاه عند الظالمين الذين لا يعرفون الهر من البرّ وهم كالأنعام بل هم اضل ويدفعون اهل الأرض من صحبته الاولياء لتسعير اسواقهم وترويج نفاقهم حتى يجتمعوا عليهم ويبخلونهم فى اعين الخلق اهلكهم الله في أخدود قهره ثم وصفهم بان الشياطين مزين قبائح اعمالهم فى اعينهم بقوله { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } يريهم اعمالهم الفاسدة بصورة الحسنة وهم بها يغترون قال بعضهم عظم طاعاتهم فى أعينهم وصغّر نعم الله عندهم وقال الاستاذ الشيطان اذا زين للانسان يوسوسه امراً والنفس اذا سولت له شيئاً عمي وسار في أرباب الغفلة عن شهود صواب الرشد فينخر الغافل معه فى قياد وسواسه ثم يمحقه هو بهم التقدير وكوا من المكر من حيث لا يرتقب فلا الشيطان يفى له بما بعده ولا النفس شيئا مما يتمناه تجده وهو كما قال القائل
وسألتك الليالى فاغتررت بها   وعند صفر الليالى يحدث الكدرُ
وذكر الله سبحانه فعل ذلك الشيطان بعد تربيتهم مخائيله لهم بقوله { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } بين تعالى ان الشيطان زين للمريدين شيئا من الامل ويدليه بخيال المنية فى ورطة الغفلة ليغويه عن طريق قربة الله وبحجبه عن مشاهدته وبعده بالكرامات ووجدان الايات فلما ايّده الله بجذبه ووارد وجده نكص العدو على عقبيه ويحترز من احتراقه بنيران مواجيده ويبقى المريد بلا خيال فى مشاهدة الجمال فيقول نفسه لشيطانه اين انت من وسوسة فيقول انى ارى ما لا يرون من عجائب مكاشفة الملكوت له واخاف الله من ان يجعلني فى جنس مجاهدته اسيرا باسر هيبته وايضاً يوسوس نفس الولى بانها تغلب بشهواتها عليه باعانته فلما راى صولة حده واستعانته بربه ورميه اليها بانفاس محبته يفر منه ويترك النفس اسيرا فى يده ويقول { إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } بيّن الله سبحانه ان الشيطان يرى ما لا يرى الادمى من احكام الملكوت بعد ظهورها فى هذا العالم وذلك انه راى قبل هذا العالم عجائب الملكوت ويريه الله انوار المؤمنين بتفريقه عنهم وقوله { إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } اى انّى اخاف عذاب الله وذلك بعد رؤية الباس ولا ينفع ذلك ولو كان متحققاً فى خوفه ما عصى الله طرفة عين قال الواسطى ترك الذنوب على ضروب منهم من تركه حياء من نعمه كيوسف عليه السّلام ومنهم من تركه خوفا كابليس حين قال { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ }.