الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }

قوله تعالى { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } امداد الملائكة بشارة لصدق مواعيده لطمأنينة قلوب عباده بانوار بقائه وصورة البرهان يكون بضعف الايقان ولو كان الايقان على حد الاستكمال بالعرفان لم يتعلق الطمأنينة بالبرهان فلما غر فى جلاله وكبريائه صرف عيون القوم عن الوسائط الى عز جلاله بقوله { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } نصره كشف انوار مشاهدته للارواح السكرانة بشراب شوقه يظفرها بوصله لانهزام جنود قهرياته من ساحات لطفه قيل بين الله اثار النصرة وبدو السلامة فمن يطلب النصرة والسلامة فمن بالذلة والافتقار لا ينالها لان طلب النصرة بالقوة والقدرة منازعة للربوبية ومن نازع المولى قهره ثم تعزز بعزته فى نصرة اوليائه عند تبريهم من حولهم وقوتهم بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } عزيز بامتناعه عن مطالعة خلقه جلاله وجماله بعلة من العلل حكيم باختصاصه مقارب معهم وكشف قربه لهم قال الواسطى العزيز الذى لا يدركه طالبوه ولو ادركوه لذل وقال الاستاذ فى قوله { عزيز } فالطالب نهم لكن بعطائه والراغب واصل ولكن الى مبارّه والسبيل سهل ولكن الى وجدان لطفه فاما الحق سبحانه فهو عزيز وصل كل وصل وفصل وقرب وبعد ما وصل الى نصيبه وما بقى احد الا عن حطه وانشد
وتلق لنا نحن الأهلة إنما   تضيء لمن يسري بليل ولا نفرى
فلا بذل إلا ما تزود ناظري   ولا وصل إلا بالخيال الذي سرى
ثم وصف سبحانه زيادة امتنانه عليهم بعد نصرهم ونيلهم الى مرادهم بعد ان اراح ابدانهم من وجع الالام وقلوبهم عن كذا القبض بانزاله عليهم النعاس بقوله { يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } النعاس ارتفاع بخار الدم من حرمة القلب الى الدماغ فى اصل الحكمة لاستراحة اعصاب الدماغ وقت استرخائها من حدة مشاغل تنفس انفاس الدموية المختلطة برطوبات صفاء البلغمية وليس ذلك يقوى فاذا هاج ذلك الدم من أصل الكبد والقلب ومشرعه المعدة وارتفع الى الدماغ يختلط هناك برطوبات الدماغ فيصير ثقيلا فيسقط ثقله الى القلب وصار الدماغ والقلب ثقيلا ويجرى ذلك الثقل فى جميع العروق فيصير جميع الاعضاء مسترخيا من غشيان ذلك الدم ويقلب على العقل والحواس فيسمى ذلك بعينه النوم وهذه الصفات صفة حيوانية انسانية نفى الله تلك الصفة عن جلال ذاته حيث وصف نفسه بالتنزيه والتقديس عن علة الحدثان بقولهلاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } ومن فضله وكرمه على اوليائه اذ اراد ان يروح ابدان الصديقين من ثقل العبادات يغشى دماغهم يعفوه النعاس ليستريحوا من برجاء القبض ويسكنوا بروح البسط ثم النعاس موضع ظهور او اصل اشكال المكاشفات واشتمال هواتف الغيبية من عالم الملكوت يرون بقلوبهم بين النعاس والنوم واليقظة اشياء بديهية غيبية تورث السكينة والطمأنينة والأمن لقوله { أَمَنَةً مِّنْهُ } اى أمناً منه من زيادة الامتهان وغلبة النفس والشيطان قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه النعاس فى القتال امنة من الله وفى الصلاة من الشيطان وكان النبى صلى الله عليه وسلم نومه نعاسا لذلك قال

السابقالتالي
2