الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }

قوله تعالى { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } اخبر الله سبحانه عن سقيه ارواح اوليائه فى الازل شراب بحار رؤية انوار القدم حيث ظهر جلال ذاته وصفاته لها وذلك الشراب لظهور طهوريته تجلى قدس ذاته الذى ظهر تلك الارواح من شوب الامتحان والقهر والحرمان لا يتدنس اوقاتها بشئ من الحدثان بعد شربها اشربة افانين انوار الصفات فتلك الكائنات المروقات عن علل الحجاب والعتاب دارت عليها فى الدنيا حتى يرجع الى معادنها من الغيب ففى كل لمحة لهم شراب الوصال والكشف والجمال لا مقطوعة ولا ممنوعة ولتلك الاشربة اثار السكر فى وجودهم من هجوم المواجيد عليهم حين سلبتهم جذبات واردات الغيب عن رؤية الاكوان والحدثان سكرت ارواحهم بشراب رؤية القدم وسكرت اسرارهم بشراب رؤية البقاء وسكرت عقولهم برؤية نور الصفات وسكرت قلوبهم بشراب رؤية الذات وسكرت نفوسهم بشراب المداناة فى الخلوات والمناجاة ففى كل حال لهم من ذلك الشراب وقت وجدو ذوق وشوق وعشق وهيمان ووله وهيجان ليس لهم فى الكون سؤل غير هذا الشراب ولا لهم مُنًى غير هذا الوصال به داوى جروح قلوبهم من آلالم المحبة لا بشئ دونه

تداويت من ليلى بليلى من الهوى   كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
قال بعضهم ان لله شرابا صافيا طاهرا شهيا نقيا ذخرها فى كنوز ربوبيته لاوليائه واصفيائه يفجر لهم من ينبوع المعرفة فى انهار المعرفة فسقاهم ربهم بكاس المحبة شرابا طهورا فاذا شربوا بقلوبهم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله سقاهم ذلك فى الدنيا فى ميدان ذكره بكاس محبته على منابر السنة بمخاطبة الايمان وسقاهم فى الآخرة في ميدان قربه بكاس رؤية على منابر النور بمخاطبته العيان قال سهل فرق الله بهذه اللفظة بين الطهور والطاهر وبين خمور الجنة وخمور الدنيا فان خمور الدنيا نجسة تنجس صاحبها وشاربها بالاثام وخمور الجنة طهور يطهر شاربها من كل دنس ويصلحه لمجالس القدس ومشهد العزة قال جعفر سقاهم التوحيد فى السر فتاهوا عن جميع ما سواه فلم يفيقوا الا عند المعاينة ورفع الحجاب فيما بينهم وبينه واخذ الشراب ففى اخذ عنه فلم يبق عليه منة باقية وحصله فى ميدان الحصول والقبضة وقال فارس منهم من سقاه شراب الهداية فهداه ومنهم من سقاه شراب الولاية فولاه ومنهم من سقاه شراب المعرفة فقربه وادناه ومنهم من سقاه شراب التوحيد فستره واوأه قال ابو سليمان الدارانى سقاهم ربهم على حاشية بساط الودّ فارواهم من صحبة الخلق واراهم رؤية الحق ثم اقعدهم على منابر القدس وحياهم بتحف المريد وامطر عليهم مطر التأييد فسالت عليهم اودية الشوق والقرب فكفاهم هموم الفرقة وحياهم بسرائر القربة وقيل سقوا شراب المودة فى كاس المحبة فى دار الكرامة فسكروا بها فمشوا فى ميدان الشوق ولم يقنعوا بشئ غير الرؤية وقال جعفر شرابا طاهرا مطهراً صافيا ادخره فى كنوز ربوبيته سقاه اولياءه فى ميدان كرامته بكاس هيبته على منابر عزه فاذا شربوا سكروا واذا سكروا طاشوا واذا طاشوا اشتقاوا واذا اشتاقوا طاروا واذا طاروا بلغوا واذا بلغوا وصلوا واذا وصلوا اتصلوا واذا اتصلوا فنوا واذا فنوا بقوا واذا بقوا صاروا ملوكا وسادة واحرارا وقادة.