الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يرسل نسيم وصاله فى اسحار اصباح طلوع جلاله الى مشام المستأنسين بشهوده فى سجودهم لزيادة عطش شوقهم الى وبل بحر مشاهدته من سحائب قربته وزلفته قدام ظهور سحاب صفاته التى يتجلى من بحر ذاته للارواح العاشقة وتسقيها من مروق الوداد مالا يستقر بشربها الارواح فى الاكوان والحدثان بل تطير فى فضاء البقاء وهواء القدم باجنحة الازل والاباد اظهر بلطفه ومحبته رياح تجلى الصفات قبل ظهور تجلى الذات لاعلام قوانيط القبض ببروز سحاب تجلى الذات لاحياء بلاد قلوبهم الميتة بجذب كشف القدم بقوله { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } لا يستقل حمل اثقال تجلى الذات الارباح تجلى الصفات ولا يقدر سوق انوار القدم الا القدم ولا يقدر سقى زلال بحر الازال الى عطاش سراب الحيرة الا الازل ولا يقدر ان يخرج من بلاد القلوب ثمار اشجار الغيوب الاعلام الغيوب بقوله { فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } ثمرات المقامات والحالات والمكاشفات والمشاهدات
الا يا صبا نجد متى هجت من نجد   قد زادنى مسراك وجدا على وجد
قال بعضهم كل ريح تنسم نوعاً من الرحمة فريح التوبة تنشر على القلب رحمة المحبة وريح الخوف تنشر رحمة الهيبة وريح الرجاء تنشر رحمته الانس وريح القرب تنشر برحمته الشوق وريح الشوق تنشر نيران القلق والوله قال الله وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين رحمته قال الاستاد تباشر التقرب بتقديم فينادى نسيمه الى مشام الاسرار قال قائلهم
ولقد تنسمت النجاح لحاجتى   فاذا لها من راحتيك نسيم
وقال الاستاذ فى قوله حتى اذا اقلت سحاباً ثقالاً الاشارة تحصل لمهجور تمادى به الصد وبرح به الوجد وانحل جسمه بل ابطل كله البعد فياتيه بشير القرب فيعود عود ووصله بعد الذبول طريا وبصير وارس حاله عقب السقوط قويا كما قال قائلهم
كنا كمن البس أكفانه   وقرب النعش من الملحد
فحال ماء الروح فى جسمه   فرده الاصل الى المولد
تبارك الله سبحانه ماكلهم هو بالسرمد وذكر سبحانه القلب الذى هو بلد الله الذى مطر عليه من بحر امتنانه ويخرج منه نبات الوان الحالات والمقامات ويذكر ما هو بخلافه الذى فيه سجة الشهوات وشوك حظوظ الشربات بقوله { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } يا اخى ارض القلوب تنبت ازهار المواجيد ورياحين المواريد بقدر كشوف انوار الصفات والذات فكل قلب بذرة المحبة فنباته المشاهدة وكل قلب بذرة الشوق فنباته الانس والوصال وكل قلب بذرة العشق ونباته كشوف الجلال والجمال كل قلب بذرة الهوى فنباته الشهوات فالقلب المنور يظهر على الجوارح اثار المحبة وهى الموافقة وكل قلب مظلم يظهر بالظاهر اثاره وهى المخالفة ثم اشار تعالى الى تبديل الاخلاق ونشر الافضال وثبوت المقامات وطيران الاحوال بالارادة السابقة والمشية الازلية المنزهة عن التغاير التدبير بل هو موصوف باصل التقدير بقوله { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } لقوم يعرفون المشكور قبل وجود الالاء والنعماء يجدونه شاكر انعامه بنفسه فيخجلون عن شكره بعرفانهم بعجزهم عن محل شكره قال ابو عثمان البلد الطيب مثل قلب المؤمن التقى يخرج نباته باذن ربه يظهر على الجوارح انوار الطاعات والزينة بالاخلاص والذى حيت قلب الكافر لا يظهر منه الا النكد والشوم والظلمات على الجوارح من اظهار المخالفات وقال الواسطى البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه اى بتوليه والذى خبث لا يخرج الا نكداً حجب عن التجلى والخطاب كذلك نصرت الآيات كذلك تحرق الشمس طوائف من النبات وتنبتها وتغذى طوائف من النبات وتطيبها وذلك على قدر جوهرها كما ان بارادة واحدة ظهرت المخالفات الموافقات قال بعضهم البلد الطيب الذى طيبها بدوام الامن وعدل السلطان ويقال النسيم الساطع يدل على الجوهر اللازم ان خبث الجوهر لم يطلب ما لم يحل منه وان طاب العنصر فالحر يحاكى اصله والاسرة تدل على السريرة فمن صفا ساكن قلبه زكى ظاهر فعله ومن كان بالعكس محاله بالضد وقال الاستاد اذا ازكى الاصل بماء الفرع قا بعضهم هو قلب المؤمن الذى طهره الله وطيبه طهر الله الروح بماء القربة وطيبه بطيب الكرامة وطهر القلب بماء العلم وطيب السر بنور المعرفة وطهر اللسان بالصدق والذكر وطهر الجوارح بماء العصمة وطيبها بنور التوفيق.