الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ذكر سبحانه امتنانه على المؤمنين بما خاطبهم بمجموع كلامه للقديم الذى انبأ ما عنده لهم من مدخور السعادات وسنى الكرامات وعظميم الدرجات ودعاهم به الى اعمال زكية واحوال شريفة مقامات عزيزة وعرفهم به اسمائه ونعوته وصفاته وذاته تعالى وافعاله فى انتظام صنائعه واعلام قدرته ويدلهم به الى معرفة كل صفة من صفاته القديمة التى معرفتها معرفة ذاته تعالى عرف نفسه به للعارفين وفتح بمفاتيحيه كنوز غيبة للموحدين وكشف قناع الجهل بانواره عن قلوب الغافلين والعالمين وجذب بلطائفه قلوب المحبين والمشتاقين والعاشقين الى مشاهدته ووصله ورتب فيه مقامات العبودية ومعارف الربوبية وذلك صدر منه بسابق علمه وقديم حكمه ويهدى به الى نفسه قلوب المؤمنين به وذلك منه رحمة كافية للعموم والخصوص وكان رحمته سبقت فى الازل خاطبه سبحانه بنعت هدايته به اليه واى نعمة اعظم من انزاله كلامه الينا الذى يعتقنا من رق النفوسية ويخلصنا من شهوات الشيطانية ويهدينا بنور الى انوار الربانية والحمد لله الذى امنن علينا بفواتح انعامه ولطائف اكرامه واصطفانا بخطابه وجعل استماعنا محل استماع كلامه وقلوبنا اوطان بيانه واسرارنا اوعية انوار سطانه وارواحنا خزائن عرفانه وعقولنا مشاهد برهانه وابداننا مساقط شرائعه من قرانه قال بعضهم انزل الله كتابا فيه هدى من الضلالة ورحمة من العذاب وفرقانا بين العدو الولى لا يعلم معانيها الا المؤمنون بمتشابهه والعاملون باحكامه والنالون به أناء الليل والنهار فيه الفلاح والنجاة طلب الفلاح والنجاة لمن رام النجاة لا يهلك عليه الا هالك ولا ينجوا به الا ناجى قال الله تعالى ولقد جئناهم الآية ولما عرف نفسه بخطابه للعارفين عرف نفسه ايضا لهم بافعاله النورية وبرهانه القدرتية وأياته الصفاتية واعلامه الذاتية بقوله سبحانه { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } نبه عن عين الالوهية صريحا حين قال ان ربكم الله خاطبهم التربية لجذب قلبوبهم بالمحبة ثم اشار اليهم بالالوهية لفناء الحدث فى القدم ثم صرفهم من المحو الى الصحو ومن الحضور الى الغيبة بقوله الذى اشارة وان ربكم عبارة الاول للبسط والثانى للقبض ثم صرفهم من الصفات الى الافعال كما صرفهم من الذات الى الصفات كيلا تحرفوا فانور الالوهية الاول خطاب القلب والثانى خطاب الروح والثالث خطاب العقل الاول قوله ان ربكم الثانى قوله الله والثالث قوله الذى ثم انزلهم من الشهود الى الشواهد وخاطبهم على قدر عقولهم حيث احالهم من القدم الى الحدث لعلمه لضعفهم عن حمل بوادى طارقات سطوات الوحدانية قال الذى خلق السمٰوات والارض فى ستة ايام جعل الآيات مراءة الصفات لاهل المشاهدات خلقها فى ستة ايام ايام الله --الله وقدره احضرها بايام مخصوصة وهى الستة وكل يوم من ايامه ظهور صفة من صفاته من مطلق القدم طلعت للعدم لكون الحدث وهذه الايام الستة ظهور ست صفات من صفاته اولها العلم والثانى القدرة والثالث السمع والرابع البصر والخامس الكلام والسادس الارادة كملت الاشياء بظهور انوار الصفات الستة ولما اتمها صارت الحدثان كجسد بلا روح فتجلى من صفته السابعة وهى حياته القديمة الازلية الباقية المنزهة عن همهمه الانفاس فقامت الاشياء بصفاته القائمة بذاته ويكون الابد لحياتها بروح حياته المقدسة عن الاتصال والانفصال وفى ادق الاشارة السمٰوات والروح والارض الاشباح والعرش القلوب بدأ بكشف الصفات للارواح وبدأ بكشف الافعال الاشباح ثم بدأ بكشف الذات للقلوب لان مناظر القلوب محل الغيوب والغيوب من القلوب محل تجلى استواء القدم استوى قهر القدم بنعت الظهور للعدم ثم استوى تجلى الصفات على الافعال استوى تجلى الذات على الصفات فاستوى بنفسه لنفسه على نفسه المنزهة عن المباشرة بالحدثان والاتصال والانفصال عن الاكوان بالاكوان الاستواء صفة ذاتية خارجة عن مطالعة الخليقة خص السمٰوات والارض بتجلى الصفات وخص العرش بتجلى الذات السمٰوات والارض جسد العالم والعرش قلب العالم والكرسى دماغ العالم خص الجميع بالافعال والصفات وخص العرش بظهور الذات لانه قلب الكل وهو غيب الرحمن وعلمه وحكمته رايته فى المكاشفات انوار شعشعانية بلا جسم ولا مكان ولا صورة يتلألأ فسألت عن ذلك فقيل لى هذا عالم يسمى عرشا قيل فى التفسير عرشه علمه كقول ابن عباس فى تفسير قوله وسع كرسية اى وسع علمه ثم رجع الى ذكر الافعال لبقاء الارواح والاشباح بقوله { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } بدأ بذكر الليل لانه ستر الاولياء وحجال الاصفياء وملجأ النقباء وخيام عرائس اهل المناجاة بلبس القبض والبسط لانها ضدان ويقبض ويبسط الليل قبض العارفين والنهار بسط المشاهدين يكون احدهما طالب الاخر لان وصفه الحضور والغيبة من خفاء التجلى وبدأ به الليل النفس والنهار القلب والشمس الروح والقمر العقل والنجوم المعلوم مسخرات فى اسماء الملكوت وهو الجبروت بامره بقدرة الكاملة وعزته الشاملة ومحبة القديمة التى تؤلف ارواح القدسية الى مشاهد الازلية ثم ان الله سبحانه اضاف الكل الى امر مشئته ونفاذ قدرته واخرج الجميع من تكلف الحدثان وعلمه الاكوان بقوله { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } الخلق فعله والامر صفته الخلق فى الاشباح والامر والارواح بنور الخلق سبب العقول وحيرها من ادراك كنه الآيات ويتجلى الامر جذب القلوب الى عالم الصفات وعشقها بجمال الذات ثم اثنى على نفسه حيث تقصر الافهام عن وصف صفاته وتقصر الالسن عن البلوغ الى مدح ذاته بقوله { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } اى تقدس عن كل ما يجرى على خواطر خلقه رب العالمين رب الجميع بظهور صفته فى خلقه وربى العارفين بظهور ذاته فى صفته قال الاستاد فى هذه الآية تعرف الى الخلق الظاهر الدالة على قدرته وهى افعاله وتعرف الى الخواص منهم بآياته الدالة على نظرته التى هى افضاله واقباله وظهر لاسرار خواص الخاص بنعوته الذاتية التى هى جماله وجلاله فشتان بين قوم وبين قوم قال الواسطى فى قوله الا له الخلق والامر اذا كان له فمنه وبه واليه لان لامر صفة الامر ولما عرفهم اعلام الربوبية امرهم بخالص العبودية وأدبهم فيها باحسن التاديب بقوله { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } اذا عرفتم نعوت الكبرياء وجلال العظمة وعز القدم والبقاء كونوا فى رؤية هذه الصفات عند احتياجكم الينا بنعت الفناء بحيث لا يطلع على اسراركم نفوسكم فان دعوة المضطر تقع على سماع الغيوب حين هاجت بوصف اللطف من لسان القلوب وان اصفى الوقت فى التضرع ودعوة الخفية وذكر الخفى الذى وصفه عليه السلام بالخيرية حيث قال

السابقالتالي
2