الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } بدء الكل بسمتين سمة اللطف وسمة القهر فمن صحبة سمة لطفه لا يضره تصاريف التلوين ومن صحبة قهره لا ينفعه ظاهرة التمكين فيكونان بعد خروجهما من محل الامتحان على نعت فطرة الازل فريقا فى انوار المعرفة وفريقا فى ظلمة الطبيعة قال النورى يجرى عليكم فى الابد ما قضينا عليكم فى الازل وقال الحسين لا تغتروا بما اجرى عليه من الاعمال قد توافق الخلقة وتخالف قال بعضهم يعودون منه اليه افقدهم لذة الاشياء لوجوده واخاصم بعلمه عن علم من سواه واعنقهم بارادته عن ارادة الاغيار ولى هٰهنا نكتة كما بداكم بعضا فى روية الجمال وقعوا فى المعرفة وبعضا فى رؤية الجلال وقعوا فى النكرة ابوب عين نفس القدم وهناك تقصير الافهام عن الادراك بقيت فى ضلال النكرة فريقا بقى فى نكرة النكرة ابدا وقريقا بقى فى معرفة المعرفة ابدا ولما ذكر سبحانه اقامة الوجوه بنعت العبودية فى مساجد الشهود امرهم باخذ زينتها فى مواقف المراقبات بقوله { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } زينة العبد لباس العبودية الذى طرازها التواضع وسداه الاستقامة ولحمته الاخلاص قطع ذيله من الحدثان وقصر كمه من الاكوان وجيبه خشوع وعطفه خضوع وصاحبه منور بنور الماب ومشرف بحسن الثواب فزينة التائبين الحرقة والبكاء وزينة الورعين التضرع والثناء وزينة الزاهدين سمات نور السجود على وجوهم وزينة العابدين سطوع نور الغيب من عيونهم وزينة المحبين الوله والهيجان وزينة المشتاقين الزفرة والهيمان وزينة العاشقين الوجد والغلبات وزينة المستأنسين السكينة والوقار وزينة العارفين الهيبة والاجلال وزينة الموحدين الحيرة والفناء دانيهم فى العبودية وعاليهم فى الربوبية من اتى بالعبودية فلباسه لباس الافعال ومن اتى بالربوبية فلباسه لباس الصفات ومن اتى بنعت الفناء مقبلا الى قبلته القدم فلباسه لباس الذات فشتان بين الاحول وشتان بينا للباس وشتان بين العباد
تزين الناس يوم العيد للعيد   وقد لبست ثياب الزرق والسود
الناس فى فرح والقلب فى ترح   شتان بينى وبيان الناس فى العيد
قال الواسطى يا بنى آدم تغير كانه تقول يا بنى النقص والعيب برد ذلك عليهم حتى لا ينظر الى انفسهم ولا يلتفتون اليها وقال الاستاد على موجب الاشارة زينة العبد بحضور الحضرة ولزوم السدة والاستدامة لشهود الحقيقة ويقال زينة نفوس العابدين اثار السجود وزينة قلوب العارفين انوار الوجود فالعابد على الباب بنعت العبودية والعارف على البساط بحكم الحرمة فشتان بين عبد وبين عبد وقال زينة النفوس مدار الخدمة وزينة القلوب حفظ الحرمة وزنية الارواح الاطراق بالحضرة باستدامة الهيبة والحشمة ويقال زينة اللسان الذكر وزينة القلب الفكر ويقال زينة الظاهر لسجود وزينة الباطن الشهود ويقال زينة النفوس حسن المعاملة من حيث المجاهدات وزينة القلوب دوام المواصلات من حيث المشاهدات واذكر هذه الزينة التى هى اثار قربة على اهل محبته الذين يلبسون لباس اهل البسط والانس والانبساط من لبن الحب الذى لا يليق لا بعشاق الله وعرائس بساط الله وياكل اكل الحنانيين من اطيب المباحات فى مقام الرفاهية غير بعد ذلك اهل انكارهم الذين ينكرون اولياء الله بليس الفاخرات واكل الطيبات فى مقام المشاهدات التى هى اعياد العارفين والموحدين بقوله { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } الخطاب يحتمل الغضب على الاعداء والتفضل على الاولياء اى من اجترى ان ينكر على احبائى الذين هم ملوك حظائر قدسى وعرائس مجالس أنسي باكتسابهم بيزنة العاشقين وبيتناولهم من طعام المستأنسين واعلم انها خارجة عن كسب الخلق حين اضاف اخراجها الى نفسه بقوله زينة الله التى اخرج لعباده اى هى زينة اخرجها القاصدية وعاشقيه اخرجها من تكلف الخلق حين اخص نفسه باخراجها لهم وهى التى ما جرت عليها حيل الخلائق بقدسه عن غبار العلائق حلالا عن اهل الحق حيث لا يدخل فيها خيانة الخائنين ولا كسب البطالين مباحاً لاهل الانس بحيث جاءت من عنده بلا علة ولا كلفة ياكلونها بالتوكل وتلبسونها بالرضا والمحبة على عارية على الاعداء باقية على الاولياء بقوله { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } وايضاً فى الحقيقة نور جماله وجلاله الذى ظهر من بشرة العارفين والطيبات من الرزق هى موائد الانس على خوان القدس واثمار التجلى من اشجار التدلى قال بعضهم الزنية التى اخرج الله لعباده هى المباحات فى البوادى والكسب الحلال فى الحضر والطيبات من الرزق هى الغنائم وقال ابو عمرو الدمشقى من حرم التزين بما يبدوا على الاولياء من المعونات والكرامات التى اجرحها لعباده المخلصين والطيبات من الرازق كسر الفقراء الذين ياخذونها عن ضرورة وفاقه وقال الاستاذ الطيبات من الرزق ارزاق النفوس بحكم أفضاله سبحانه وارزاق القلوب بموجب اقباله تعالى ويقال أرزاق المعبدين الهام ذكر الله وارزاق العارفين الاكرام بنسيان ما سوى الله ولما ذكر تفضله تعالى على الموقنين العارفين بان رزقهم من مدخور ما عنده فى خزائن جوده من الزينة والطيبات التى قويت بها ابدان الصديقين وحرمت عن لذتها اجساد المفلسين الذين يتركونها رياء وسمعته وتزهد او تقشفاً وسالوساً وناموسا ويقولون انها محرمة على اولياء الله جهلاً بالشريعة وانكاراً على اهل الحقيقة بين ان ما حرم الله ليس هى انما حرم سمعة الظاهر ورياء الباطن وامر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بجواب الرابعين عن طريق الحق بقوله { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } فحش الظاهر مباشرة ما يشتغله عن العبادة الخالصة وما بطن ما يجرى على القلب الوسواس الذى يكون حجاباً بينه وبين مشاهدة الحق وايضاً ما ظهر منها ما ظهر من الفواحش هو ما يجرى فى صورة الفعل بالمعصية وما بطن فيها ما يبقى فى النفس من حلاوت مباشرتها وزاد ذكر ما انكره تعالى بقوله { وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ } الاسم ظاهر الانكار على الاولياء والبغى الحسد فى الباطن عليهم { وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } اى امتنع بجلاله وعلو كبريائه فى القدم من ان يكون معه فى الالوهية ضد الشرك رؤية الغير فى البين ثم القى الرغام على انوف المدعين الذين يدعون علوم اللدنيات بقوله { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال سهل ان يكلم عن الله بغير اذن على غير سبيل الحرمة وحفظ الادب فقد هتك ستره وعدا طوره وقد حذر الله تعالى ان يقول احد عليه ما لا يعلم وان تقولوا على الله ما لا تفعلون قال ابو عثمان فى قوله انما حرم ربى الفواحش ما تريد لغير الله من الطاعات وقال بعضهم ما ظهر من الفواحش هو الكذب والغيبة والبهتان وما بطن الغل والغش والحقد وقال الاستاذ ما ظهر منها الزلة وما بطن الغفلة ويقال فاحشة الاحباب الصبر عن المحبوب.