الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

قوله تعالى { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ندب الحق سبحانه الجميع ان يسمعوا القرأن بقلوب حاضرة ونيات صادقة وأسرار ظاهرة عند سكونهم من الفضولات لو قرىء القرأن فاذا راهم الحق فى منازل وقار الخطاب وحرمات الامر يتفضل عليهم بكشف اسراره لقلوبهم ويذوق طعم خطابه اسرارهم ويعرفهم نكات اشاراته اللطيفة وانبائه العجيبة والحكمة الغربية فمن يرى مواقع اسراره بانواره ويسمع بالله كلام الله صار القران بصائره يرى به جميع الصفات ومشاهدة الذات قال تعالى هذا بصاير من ربكم ولعل هٰهنا توجيهاً للمستمعين كلامه بالادب والسكون اى اذا كنتم كذلك لعلكم تكاشفون باسراره وانواره ومواجيده قيل فيه استمعوا له باذانكم لعلكم تسمعون بقلوبكم وتفهمون مراد مخاطبة الحق اياكم وتتادبون بلطائف مواعظه فيوصلكم حسن ادب الاستماع وبركة الخطاب الى رحمته وهو ان يرزقكم اداب خدمته كما رزقكم سنن شريعته واجل رحمة رحم الله بها عباده اداب العبودية التي خص بها الأكابر من الأصفياء والسادات من الأولياء. قال الأستاذ: الإنصات في الظاهر من آداب اهل الألباب والانصات بالسرائر من اداب اهل البساط ثم امر نبيه عليه السلام بان يذكره بجلاله وعظمته فى نفسه بقوله { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } حتى تفنى نفسك فى نفسى ولا يبقى فيك الا نفسى لاذعانك بنعت العبودية فى ساحة كبريائى بنعت رؤية جلالى حيث لا ترى غيرى هذا معنى قوله { تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } وايضا وذكر ربك باوصافه فى نفسك كانها تحمل اثقال اسرار قدمى لا غيرها من النفوس وايضا وصل الذكر بالنفس لان القلب موضع المذكور وقال الحسين فى هذه الأية لا تظهر ذكرك لنفسك فتطلب به عوضاً واشرف الذكر ما لا يشرف عليه الا الحق وما خفى من الأذكار اشرف مما ظهر قوله تعالى { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } اى لا يكن مشغولا بنا عنا ولا ممن بقى فى رؤية العطاء عن المعطى امر تعالى نبيه عليه السلام بحفظ الانفاس عن خطرات الوساوس وجمع الهمة عن طارق الغفلة اى اذكرنى بى لا بك وان من ذكرنى بنفسه غفل عني ومن ذكرنى اخذه من الذكر والفكر واكشف جمالى له حتى يصل بى الى قال سهل حقا اقول لكم لا باطلا ويقينا لا شكاً ما من احد ذهب منه نفس واحدة بغير ذكر الا وهو غافل وقيل الغافل من غفل عن مراد الله فيه وقيل الغافل الذى غفل عن درك حقائق الامور قال الاستاد فى معنى التضرع والخيفة التضرع اذا كوشف بوصف الكمال في اوانى البسط والخيفة اذا كوشف بنعت الجلال فى احوال الهيبة وهذا للأكابر فاما من دونهم فيتنوع احوالهم من حيث الخوف والرجاء والرغبة والرهبة ومن فوق الجمع فاصحاب البقاء والفناء والصحو والمحو وراءهم ارباب الحقائق مثبتون فى اوطان التمكين فلا تلون لهم ولا تخنس لقيامهم بالحق وامتحانهم عن شواهدهم ثم وصف الله كرام العارفين من الكروبين والمقربين انهم فى محل العندية مقدسون عن شوائب نعوت الزائغين وصفات المتكبرين بل هم موسومون بسمات العبودية فى محاضر الربوبية بقوله { ِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } هم فى نعوت العبودية عند بروز سطوات العظمة والفناء بشرط التنزيه فى ظهور قدس القدم متملقين بنعت البهتة فى كشوف جمال الازلية سبحان الذى حجبهم به عنهم ولولا ذلك لاحترقوا به فيه.