الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ }

قوله تعالى { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } نفى الله سبحانه سمع الخاص ونظر الخاص عن اهل الغفلة اذ سماعهم وعيونهم محجوبة بعوارض الضلالة وغواشى الغفلة لا يسمعون باذان قلوبهم نداء الغيب ولا يبصرون بابصار قلوبهم مشاهدة الحق فى الشواهد وذلك من رد الله اياهم عن شهودهم بنعت القاء اسماعهم فى محاضرات المراقبات وترائيهم بعيون قلوبهم اهلة الجلال فى سمٰوات اليقين ولو شاء لاسمعهم نداءه واراهم جلاله ولكن منعهم قهر الازلية وخذلان الابدية كان عليه السلام مصبوغا بصبغ الألوهية فى مجامع شريعة بحار القدس مزينا بزينة نور المشاهدة مخبراً بسنا لباس القدرة موشحا بوشاح الرسالة متوجا بتيجان الملكوت راكبا على مركب النبوة فى ميادين الجبروت وكان مرآة مشاهدة الله بين عباد الله بتجلى الحق منه للعالمين ولكن ما ابصره إلا من له منه بصر يبصره لذلك قال عليه السلام فى بعض اشارته فى الحقيقة والاتصال " من رأنى فقد راى الحق " قلما راى الناظر اليه بنظر الحقيقة الى اين بلغ من رتبة القربة وقال طوبى لمن رانى وطوبى لمن راى من رانى لان من تزود من جماله نوراً وبهاء يفيض ذلك النور فى جميع وجوده ويتلالأ منه لعيون الناظرين:
ادر كأس السرور على أناس   لقاؤك عندهم كل الأمانى
اذا اكتحلوا بوجهك لم يزالو   من الخيرات فى نعم حسانِ
قيل فى قوله وان تدعوهم الى الهدى لا يسمعوا كيف يسمع الدعاء من أصحه الداعى عن الدعو اليه ولا يسمع نداء الحق الا من اسمعه الحق وباسماعه يسمع لا بسمعه ولا باستماعه وقيل فى قوله وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون بانفسهم ينظرون اليك ولا يبصرون خصائص ما اودعناه فيك وبركات ما اجريناه فى الخليقة بك وكذا من نظر بنفسه الى الرسول صلى الله عليه وسلم حجت عن ادراك معانيه حتى ينظر ببركته الرسول الى الرسول بل هو ايضا قاصر البصر حتى ينظر بالحق اليه ومن الحق اذ ذلك يتبين له شرف ما خص به وقال سهل هى القلوب التى لم يزينها بانوار القرب فهى اعمى من درك الحقائق ورؤية الاكابر وقال ايضا ينظرون اليك باعين لم تكحل بنور التوفيق فلا يعرفون حقك وينظرون اليك بالقلوب التى لم يثبتها بنور هدايته شيئا ويقال رؤية الاكابر ليست بشهود اشخاصهم لكن بما يحصل للقلوب من مكاشفات الغيب وذلك على مقادير الاحترام وحصول الايمان ولما عظم شانه عليه السلام وعز عن ادراك ناظريه وعن ان يطلع على ما فى جلاله وجماله من انوار الصفات وبرجاء سنا الذات وعلم الحق سبحانه عجز الخلق عن اداء حقه واحترامه بحد حقيقة امره عليه السلام بالعفو والكرم عند قصورهم عن رؤية ما كانوا من سطوع انوار الرسالة والنبوة من وجهه بقوله { خُذِ ٱلْعَفْوَ } فاعف عنهم من قلة عرفانهم حقك { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } اى بلطف عليهم فى امرك ونهيك بهم فانهم ضعفاء عن حمل وارد أحكام شرائعك وحقائقك { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } الذين ليس لهم استعداد النظر اليك ولا يعرفون حقوقك فان مكر كرامات اوليائى ومعجزات انبيائى لا يبلغ الى درجة القوم قال بعض المشايخ حين ذكر اهل الظاهر قال دع ذكر هؤلاء الثقلاء ثم انه سبحانه البس حبيبه عليه السلام اخلاق القدم بالتجلى والكشف والمباشرة بالفعل ثم اراد ان يلبسه خلقه بالامر القديم والكلام الكريم ليكون متصفا بجميع معانيه بجميع صفاته متخلقا بجميع اخلاقه حتى عظم الامر عنده فى ذلك وافاض لطفه على الجمهور فأمر أمته بما امر الله بقوله تخلقوا باخلاق الله قال بعضهم امر النبى صلى الله عليه وسلم بمكارم الاخلاق ظاهراً وباطناً وهو الصفح عن زلات الخلائق والامر بمكارم الاخلاق واعرض عن الجاهلين اى اعرض عن المعرضين عناقهم الجهال روى ان النبى صلى الله عليه وسلم سأل جبريل صلوات الله عليه عن تفسير هذه الآية فقال

السابقالتالي
2