الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }

{ وَيَا آدم ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } جعل الله سكونها الى الجنة وشغلها باكل ثمارها ووعد العيش فيها واخفى فى عيشهما كدر الامتحان باكل الشجرة وجعلها فتنة لهما ولو جعل سكونها بجماله وحسن وصاله لم يدخل فيهما قهر الامتحان لان حضرته تعالى مقدسة عن رحمة الحدثان { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } دلالة اشارة والاجرار الى الفتنة بنعت الخدعة وكيف لم يقرباها وهو تعالى تجلى فيهما لهما بنعت الجمال ليعشقهما بجماله فخامرهما سر الاسرار من لطائف الاقدار فاشتاقا اليها عشق نظر فلما قربا منها غلب شهوة العشق على حقيقة العشق فاكلا منها وباشراها فعلما علم سر الاسرار وعلم لطيف الاقدار فامتلا ولم يحتملها الجنة لثقل انوار الاسرار ورزانة قوة الربوبيه لذلك قال { فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } بدخولكما فى حمى الربوبية واقتناسكما اسرار الالوهية ولولا ان الله حبس لسانهما عن كشف الاسرار لملئ الاقطار من علم الاقدار ولذلك قال بعض المسرفين ان تلك الشجرة شجرة علم القضاء والقدر ومن علم علمها الله فيها وصل الى عز الملك والخلد بوصف الربوبية والحرية ولذلك حكى الله عن المنعوت بقوله هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى علم الملعون انها شجرة الخلد والملك وحرم عنهما فاراد مباشرتها لينازغ الربوبية بقوتها ولم يقدر بان ليس له استعداد ذلك فتحسر فى نفسه وراى كنوز الغيب مملؤة فيها مثمرة فدل آدم اليها ليكون بتلك النعمة متمتعا احد من خلقه لكن مزج بالارادة الحسد على آدم فاوقعه فيها لانه علم انها موضع خطر فعصمها الله من ذلك الخطر فلما أكلا وجدا ذلك فى نفسها فزم الله وجههما وقلبهما زمام قهر سلطنته فلما راى انفسهم ساقطين عن محل الربوبية عرفا عجزها وضعفهما وعبوديتهما فقالا ربنا ظلمنا انفسنا واراد الملعون انهما لما أكلا الشجرة ان يظهر تلك الاسرار التى لو عرفها احد يكون عياراً سكراناً والهامد هوشا خارجاً من قبول احكام الشرائع فى العبودية ولا يكون فى العالم حجة الله فقصدهما بذلك لسقوطهما عن درجة الرسالة والنبوة والولاية التى هناك ظهور العبودية لما يبدو لهما من عورات اسرار المكنونة والاقدار المختومة بقوله { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } اذا اراد سبحانه ان يظهر لعبده سراً من اسراره اعزى ابليس بوسوسة سبب ينكشف به تلك الاسرار له فيرتفع بعلمها درجاته فيرجع ضررها الى ابليس ويرجع منفعتها الى عبده العارف كحال آدم وعدوه اراد العدوان يسقطه من درجته فزاد شرفه على شرفه وقد سقط هو من رتبته بالحسد عليه وصار مطرود الابد وصار آدم مقبول الازل والابد لقوله سبحانه ولا يحيق المكر السىء الا باهله وقال تعالى فى حق آدم ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى وقال فى حق داود وان له عندنا لزلفى وحسن ماب ولما بدا لهما تلك الاسرار كتماها فى نفسهما باستعدادهما الى اشجار الرعاية بقوله.