الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } خوف الله اهل ولايته من ضربه مقرعة قهر الازل بنعت الغيرة على اعناق من راى قيمة نفسه فى جلال عظمة القدم من حيث صنيعة ببلعام لتمتنع المسرورين بما وجدوا من سنى الكرامات ورفيع الايات من النظر الى مقاماتهم ومعاملاتهم فان تعالى شغل عنه من نظر الى غيره بغيره ونفسه فان مكره قديم ولا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون ذكرانه تعالى اتاه أياته ولو اعطاه قرب مشاهداته ما سلخ منه لان من راه اخيه ومن اخيه اشتاق اليه ومن اشتاق اليه عشقه ومن عشقه استانس به واستوحش مما سواه فمن ذلك تبين انه كان مستدرجا بوجدان آياته وتصديق ذلك ما اخبر سبحانه من ارتداده عن دينه واشتغاله بهواه وعداوة كليمة بقوله { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } ولو ذاق طعم حبه لم يلتفت الى غيره مكربه فى الازل فكان مكره مستنداً ما الى الابد فالكرامات الظاهرة له عارضة الامتحان بين الازل والابد عند الاصل القديم لا يعتبر بالعارض الطارى قال ابن عطا سوابق الازل توثر على انتهاء الابد قال الله أتيناه قال الاستاد يظهر الاعداء فى صدا الخلة ثم يردهم الى سوابق القسمة ويبرز الاولياء بنعت الخلاف والزلة ثم يغلب عليهم مقسومات الوصلة ويقال اقامة فى حجال ثم ابرز له من مكامن المكر ما اعد له من سابق التقدير فاصبح والكل دون ربته وامسى واتكلب فوقه مع حاسبته وفى معناه انشدوا
فبتنا بخير والدنا مطمئنة   واصحبت يوما والزمان تقلبا
ثم ان الله سبحانه علق ضلالته بالقسمة السابقة والمشية الازلية الا لا تتأثر بتأثير الاكتساب بقوله { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } اى ولو شئنا فى الازل اصطفائيته لولا يتنا لم يوثر فيها مخالفة الظاهر لان قسمة الازل تقصم تواريرات الطبيعة وتتصل بالكناية الابدية والرعاية السرمدية وليس تقاعده عن طاعة مولاه علة المشية بل المشية علة عصاينه قال ابن عطاء ولو جرى له فى حكم الازل السعادة لاثر لك عليه فى عواقب سعيه وكدحه فى اواخر حواله وقال الاستاد لو ساعدته المشية بالسعادة الازلية لم يلحقه الشقاوة والابدية ولكن من قصمته السوابق لم شعثه اللواحق وصدق سبحانه بآية اخرى ما ذكرنا فى الآية بقوله { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } اى من اجتباه الله بقربه ومعرفته فى الازل فجميع امره على نظام تلك الاجتبائية قال بعضهم ليس الناجى من سعى واحسن السعى انما الناجى من سبقت له الهداية من الهادى قال الله من يهد الله فهو المهتدى ثم وصف الخاسرين بانهم محجوبون عن ساحة كبريائه ورؤية جلاله بقوله { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } اى قلوبهم محجوبة عن مشاهدة الغيوب ولو ادركت تلك المشاهد لذاقت طعم الوصال وفهمت حقائق معالى النوال وعيونهم فى غواشى الشهوات ولو خرجت منها لابصرت انوار الصفات وما التفتت منها الى جميع المرادات واذانهم فى اثقال الغفلات ولو خرجت من تحتها لسمعت اصوات الوصلة والحان هواتف بلابل القربة وطابت بسماعها وصاعت من جميع الملاهى قيل لهم قلوب لا يفقهون بها شواهد الحق ولهم اعين لا يبصرون بها دلائل الحقائق ولهم اذان لا يسمعون بها دعوة الحق ثم وصفهم بانهم اغفل من البهائم فى الضلالة لان للبهائم استعداد قبول التاديب فيقبلون التاديب ولهم ايضا استعداد قبول التاديب ولا يقبلون التاديب قيل الانعام والبهائم لا يحسون بالاستتار والتجلى والارواح نعيمها فى التجلى وعذابها فى الاستتار قال الله ان هم الا كانعام قال ابن عطاء لهم قلوب لا يفقهون بها معانى الخطاب ولهم اذان لا يسمعون بها حلاوة الخطاب ولهم اعين لا يبصرون بها شواهد الحق وقال الاستاذ لا يفقهون معانى الخطاب كما يفهمه المحدثون وليس لهم تميز بين خواطر القلوب هواجس النفس ووساوس الشياطن ولهم اعين لا يبصرون بها شواهد التوحيد وعلامات اليقين ولا ينظرون الا من حيث العقل ولا يسمعون الا دواعى الفتنة ولا ينخرطون الا من سلك ركوب الشهوة ثم وصف نفسه تعالى بان له الاسماء الذاتية والاسماء الصفاتية والاسماء الفعلية والاسماء الخاصة المنبئة لقلوب العارفين عن عجائب صفاته الازلية التى مصدرها ذاته القديم تعالى بقوله { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } خبر الخلق فى طلب تلك الاسماء العظام ولا ينالونها الا ينكشف ولا ينكشف لهم تلك الاسماء الا بكشوف صفات الخاصة التى تلك الاسماء مفاتيح خزانتها ولا ينكشف تلك الصفات الا بكشف الذات فمن خص بهذه المكاشفات يهتدى الى اسمه الاعظم ويهتدى بنوره الى معانى الصفات وانوار الذات اذا دعا به اجيب ويكون قوله فى مراده كن فيكون فكل اسم مخبر عن صفة والصفة مخبرة عن الذات ولكل اسم للعارفين فيه مقام وهم فى الاسماء على مراتبها فى معرفة الصفات ومشاهدة الذات قال بعضهم كل اسم من اسمائه مرتبة من المراتب واسمه الله سلفك الى الوله فى حبه والرحمن يبلغانك الى رحمته كذلك جميع اسمائه اذا دعونه عن خلوص ضمير وصفاء عقيدة قال بعضهم وراء الاسماء والصفات صفات لا تخرقها الافهام لان الحق نار يتضرم لا سبيل اليه ولا بد من الاقتحام فيه وقال بعضهم ابدا اسماءه للدعاء لا يطلب الموقوف عليها وانى يقف على صفاته احد وقيل فادعوه بها اى قفوا معها عن ادراك حقيقتها ما حكى الاستاذ عن بعضهم ان الله سبحانه وقف الخلق باسمائه فهم يذكرونها قاله وتعزز بذاته فالعقول وان صفت لا تهجم على حقائق الاشراف اذا لادراك لا يجوز على الحق فالعقول عند بواده الحقائق منفعة بنقاب الحيرة عن التعرض للاحاطة والمعارف تائهة عند قصد الاشراف على حقيقة الذات والابصار حيرة عند طلب الادراك فى احوال الرؤية والحق سبحانه عزيز باستحقاق نعوت التعالى منفرد ومثل ذكره الاستاد.