الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }

قوله تعالى { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } وصف الله قوما من امة كليمه عليه السلام الذين وصل اليهم ما من الله على موسى كشف من انوار لارواحهم وفتح اذان قلوبهم لسماع خطابه هم وجدوا الله بالله واتصفوا بصفاته فاخبر الحق عن اتصافهم بصفاته حيث قال يهدون بالحق والهداية صفته اى يهدون بنور الله عباد الله الى الله لا بهم وهم على الحق لا بصورة العميا والغلط والظنون والحظوظ وبه يعدلون اى بعدله وباتصافهم بعدله يعدلون بين الحق للحق لا لأنفسهم يتصفون بالله لله لا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يوتيه من يشاء قيل يدلون الخلق على طريق الحق واياه يسلكون ثم وصف الله قوم موسى بانهم على اثنى عشر طريقا من طرق المعارف بقوله { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } وجعل ضرب موسى الحجر مثلا لانفتاح قلوبهم مشارب الالوهية بقوله { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } ضرب يد الاحدية بعصا العناية صفوان الازل فظهر من عيون القدم وبحار الاولية لارواح الموحدين وقلوب العارفين وعقول العاشقين واسرار الشائقين وهمم المحبين وافئدة الموقنين وخواطر المكاشفين وصدور المشاهدين وعلوم السالكين ونيات الصادقين ومزار نور الراضين ووجود المريدين اثنا عشر عينا من عيون الصفات الخاصة لعرفان اهل العيان منها عين القدم وهو مشرب ارواح الموحدين ومنها عين البقاء وهى مورد قلوب العارفين ومنها عين الجمال وهى مورد عقول العاشقين ومنها عين تجلى الوجه الذى هو صفته الخاصة وهى مشرب اسرار العاشقين ومنها عين الجلال وهى مشرب همم المحبين ومنها عين القدرة وهى مشرب افئدة الموقنين ومنها عين العلوم وهى مشرب خواطر المكاشفين ومنها عين صفة السمع وهى مشرب صدور المشاهدين ومنها عين صفة البصر وهى مشرب علوم السالكين ومنها عين الكلام الازلي وهى مشرب نيات الصادقين ومنها عين الارادة القديمة وهى مشرب من انوار الراضين ومنها عين الحياة القديمة وهى مشرب وجود المريدين اما انفجار عين القدم لارواح الموحدين لان القدم اصل الاصل وماهية عين الكل ومنها انفتح انوار التوحيد للموحدين والموحد لم يبلغ الى درجة حقائق التوحيد الا بعد شربه زلال الحقيقة من بحار القدم وذلك الشرب يكون للارواح الطائرة باجنحة القدم فى القدم وتلك الارواح ولا يترج من تلك البحار لانها تعيش بها ابدا ولا ترجع منها الى غيرها من الصفات الا ما شاء الله واما انفتاح عين البقاء لقلوب العارفين لانها مصارف جميع الصفات وهى اصل ثان ومنها تنبت كشوف الصفات وشهود انوار الذات والعارف لا يبلغ الى درجة المعرفة الا بعد ان شرب منها شراب وصال البقاء بنعت السكر والصحو من زاد سكره للبقاء زاد صحوه لان البقاء يوجب التمكين وهم لا يلتفتون من ذلك المقام الى مقام أخر لان قلوبهم استغرقت فى ذلك البحر بحر البقاء باق لها ليس له ساحل وهى لزيادة العطش واما انبجاس عين الجمال لعقول العاشقين لان الجمال يوجب العشق للعاشقين ولا يكون العاشق عاشقاً الا بعد رويته جمال الحق سبحانه وتلك العقول هائمة فى ذلك لا تسكن عنها ابدا ولا ترجع الى مقام أخر من استلذاذها حلاوة الجمال واما انفتاح عين تجلى الوجه لاسرار الشائقين لانها سبب سكر العشاق سكرت تلك الاسرار برؤية تلك الانوار وهى هائمة ابدا لا يرجع منها الى غيرها من المقامات والحالات لان الشوق الذ الاحوال ولا يبلغ الشائق الى درجة الشوق الا بعد كشف تجلى الوجه له واما انفتاح عين الجلال لهمم المحبين لان الجلال مشرب تلك الهمم بوقعها الى البحرين بحر الهيبة وبحر الاجلال والاجلال يورث لها الخوف والهيبة تورث لها الحياء وهما اخص صفات المحبين وصفة الجلال شاملة لصفة الجمال والجمال يظهر لها فى الجلال لذلك استروحت تلك الهمم فى اوقات عن برجاء الجلال وكل محب لم يبلغ مشاهدة الجلال لم يبلغ الى درجة المحبة بالكمال وتلك الهمة يتصرف بذاتها عن ذلك المقام تارة الى محل الجمال لاقتباس نور الشوق والعشق لان الجلال والجمال مصدرهما عين واحد وان كان تأثيرهما فى التجلى والمباشرة مختلفا واما انتفاح عين القدرة لافئدة الموقنين وهى بكشوفها تزيد انوار الايقان للموقنين ولذلك قال تعالى وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السمٰوات والارض وليكون من الموقنين ومشربها تجرى على سوابق الايات والافعال فى حدود الالتباس ونحلت نفس الصفة صرفا بغير رؤية الأيات اذا كان صرفا فهى توجب العرفان واذا لم تكن صرفا يوجب الايقان وكيف يكون الموقن موقنا ولم يشرب فواده من هذين السقيين وافئدة الموقنين هامت من سكرها من شرب سلسبيل عين القدرة ولا يرجع منها الا بعد الاستيقاء منها الى اعلى المقامات من شهود العين ورؤية جميع الصفات فهى على نعت الترقى لان تواثير القدرة فى الاشياء على نعوت التغائر وان كانت عينها مقدسة من علة التلوين واما انتفاح عين العلوم الازلية اللدنية لخواطر المكاشفين وذلك ان عرائس الغيوب بلباس المعلوم تنكشف لخواطر الكاشفين وهى تورث لعيونها مشاهدة الصفات والذات وتورث من فوائد وجدان نضارتها وبهجة سناها علوم المعارف الالهية وكل كشف بغير علم لا يكون على حد الكمال والعلم لا تفارق الكشف لان الكشف محل الخطاب والخطاب يوجب العلم لكن ربما تلوح بوادى الكشوف لضعفاء الطريق بالبديهة ولا يفهمون عنها انياء العجيبة الالهية وكل خاطر لم يشرف على هذين المنزلين فهو ناقص عن محل الربانية وتلك الخواطر معادنها علوم الازلية مستلذة دقائق العلوم من حيث حلاوة الشكف وحلاوة الخطاب واما انفتاح عين السمع لصدور المشاهدين يوجب لها اسماع الالهية التى تسمع بها اصوات جريان اقلام القضاء والقدر من العرش الى الثرى وتسمع من الحق بسمع الحق ما يقول الحق قال تعالى

السابقالتالي
2