الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قوله تعالى { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } اى من سنة الله سبحانه اذا اراد ان يشرف عبداً من عباده بمقام لم يكن له ذلك وقربه منه وناجاه واظهر عليه عجائب ملكه وملكوته يصفيه عن كل كدورة ويخلصه عن كل همة ويروضه بانواع مجاهدة ويخلى بطنه عن الطعام والشراب الا ما يقوى به صلبه ليحرق بنيران الجوع غواشى قلبه وتقدس من قلبه مكان نظره ويغسل بمياه المجاهدة جوارحه ويزويه فى الخطوات ويشوقه بلطائف المناجاة الى المشاهدة وله اوقات وساعات لفتح اذان قلوب اوليائه وابصار ارواح اصفيائه ليسمعها كلامه ويبصرها جماله وجلاله وتلك اوقات تضوع نسائم عطر مشاهدته لاهل خلواته ومناجاته لا يستنشق تلك الروائح الا المتعرضون لها فى المراقبات والرعايات واخبر من تلك الاسرار سيد اهل الانوار صلى الله عليه وسلم بقوله " ان لربك فى ايام دهركم نفحات الا فتعرضوا النفحات الله " ومن تلك الاربعين صارت الاربعين سنة لاولياء الله فى بداية امرهم فى الخلوة والرياضة بخلوص نياتهم مع الله سبحانه لوجدان حكمته الازلية وانبائه العجيبة ومكاشفته البدعية لانها عرائس الله لاتنكشف الا المتفرد عن غير الله واخبر بشرائف ذلك النبى صلى الله عليه و سلم بقوله من اخلص لله رب اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قبله على لسانه ما طاب زمان الوصال ومواعيد كشف الجمال لما طاب وقت كليم الله فى مناجاته حبيبه بعد تمام ثلاثين ليلة لم يستوف وطره من لذيذ خطابه ولطف جماله فعلل بالسوال ليستزيد المقام فى شهود العين فعلم تعالى حرق شوقه ولهيب حزنه وزيادة عشقه ومحبته فزاد على اوقات الوصال بقوله واتممناها بعشر وقال فتم ميقات ربه اربعين ليلة ومراده بالاربعين تواتر الحالات والاستقامة فى الورادات ليحتمل بعد ذلك بها وقات بديهات الكشوف وبروز انوار القدم ذكر الليالى لخلو الاسرار عن الاغيار وصفاء المواصلة عن غبار المخالفة فيالها من سماع ما اطيبه ومن خطاب ما الذه ومن جمال ما اشهاه ومن قرب ما لطفه
فكانت بالعراق لنا ليالٍ   سلبنا هى من ريب الزمان
جعلناهن تاريخ الليالى   وعنوان المسرة والامان
وعده وجعل الايام الخطاب ميقاتاً لمزيد شوقه وزيادة خوفه وهيجانه قيل لابى بكر بن طاهر ما بال موسى لم يجع حين اراد ان يكلم ربه وجاع فى نصف يوم حين اراد ان يلقى الخضر فقال أنا غداءنا الآية فقال لانه فى الاول انساه هيبة الموقف الذى ينتظره الطعام والشراب والثانى كان سفر التايدب فزاد البلاء على البلاء حتى جاع فى اقل من نصف يوم والاول كان اوقات الكرامة ولما اراد المسير الى الله والذهاب الى مواعد قربه ومناجاته جعل اتيته هارون خليفته فى قومه غيره على وقته وعلى محبوبه لئلا يكون معه غيره فى سماع اسرار الازل والابد بقوله { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } استخلف هارون بالشريعة وانفرد عنه مقام الحقيقة لان الحقيقة لا تقبل الغير فى البين ولا يكون العشق بالشركة لان العشق يغير عن العاشق دون معشوقه وكان هارون علم غيره اخيه فاستقبل الخلافة ولم يعارضه ان كان ميل قلبه بصاحبته فى الحضرة ولكن تحمل من حلمه اثقال الفراق لصحة المواخاة وصدق الارادة قال الاستاذ لما كان المرور الى فرعون استصحب موسى هارون فقال الله سبحانه اشركه فى امرى ولما كان المرور الى سماع الخطاب افرده عن نفسه فقال اخلفنى فى قومى وهذا غاية الحلم من هارون ونهاية الرضا وهذه من شديدات بلاء الاحباب وفى قريب منه أنشدوا

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد