الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

قوله تعالى { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } الفقير الصادق اذا امتن الله عليه بمعرفته وكشف مشاهدته وكساه رداء هيبته يكون يتجلى عند جميع الخلائق لبروز نور جلال الله من وجهه بحيث يجئ بقوم العالم عنده لصولة حاله وغلبة وجده ولطائف كلامه ويكون سالب قلوب الخلق بما يجرى عليه احكام ربوبية الله فيظهر للحق منه سنى كرامات الله ولطيف آيات الله فيحسد عليه اهل الدنيا من المغرورين بمزخرفتها الواقعين فى ورطاتها ويقولون عند العامة اهذا الذى له كرامات وايات هذا اطراز سالوس واراد بذلك صرف وجوه الناس عنه اليهم قال الله سبحانه فى وصف الحساد عند حسدهم على اوليائه { أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } استهزاء فاجابهم الله رغماً لأنوفهم { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّاكِرِينَ } اى هو تعالى يعلم صدقهم واخلاصهم وبذل وجودهم شكراً لانعامه وحمداً لما منّ عليهم من الدرجات الرفيعة والحالات الشريفة ويعلم غيظ اعدائهم وفى الآية نكات ان فتنة الفقر طمعة إلى الغنى وفتنة الغنى بغضه للفقير لئلا يؤديه حقه وايضا فى الحقيقة مقام الفقر مقام التجريد والتوحيد والتنزيه وافراد القدم عن الحدوث وفناء النفس فى الحق واذا كان الفقير بهذه الاوصاف يستظل بظلال الربوبية ومقام الغنى مقام الاتصاف بصفات غنى القدم والاكتساء بكسوة الربوبية فاذا كان الغنى بهذه الاوصاف يكون نائب الحق فى العالم فاذا راى فقيراً بوصف ما ذكرنا يصول عليه بقوة مقامه فيكونان فى حجاب حالهما ومقامهما ورؤية غير الله وهذا من غير الله عليهما لئلا يسكن احدهما الآخر فيسقطان من درجة السكون الى الحق ومن غيرته تعالى على نفسه لشغل بعضهم بعضا لئلا يطلع عليه غيره وما ذكرنا بمجموعه فهو معنى قوله { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } وما يليق بذلك من تفسير قوله تعالى { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّاكِرِينَ } اى بالذين منهم من لا ينظر فى طريقه الى نفسه والى غيره طرفة عين قال الحسين فى قوله تعالى { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } قطع الخلق بالخلق عن الحق وقال محمد بن حامد فتنة الفقراء بالأغنياء وفتنة الاغنياء بالفقراء ففتنة الفقير فى المعنى رؤية فضله ويسخطه لما يمنعه ما فى يده ويراه المعطى والمانع دون الله وفتنة الغنى فى الفقير ازدراؤه بالفقير وتحقيره اياهم ومنهم ما اوجب الله عليهم لهم مما فى يده وامتنانه عليهم بايصالهم الى حقوقهم او ايصال الحقوق اليهم والذى يسقط عن الفقير فتنة فقره رؤية دخل الاغنياء او الذى يسقط عن الغنى فتنة غناه رؤية دخل الفقراء قيل فى الشكر { ٱلشَّاكِرِينَ } الراجعين الى الله فى جميع احوالهم.