الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

قوله تعالى { وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } ان الله سبحانه خلق غير الآدمى والملائكة والجن من الحيوانات والطيور والسباع والحشرات على فطرة التوحيد وجبلة المعرفة وان الله سبحانه خاطبها لوضوح طرق معارفه والايقان والايمان جعل لها طرقا من خواطرها منورة بانوار العقل الى حضرته القديمة الأزلية واسرارها ينظرون بنور الأفعال ولطائف الصنعة وسناء الخطاب اليها على السرمدية قسم أنها تعيش وتتحرك وتطير بقوة من قوى الحضرة وهذا الصفير والألحان والزفرات والشهقات منها من حلاوة تصل الى قلوبها من روح عالم الملكوت ووضوح انوار الجبروت ولها على قدر حالها فى المعرفة والتوحيد شوق إلى الله وذوق من بحار رحمة الله سمعت أن سمنون المحب كان اذا تكلم في المحبة تنشق القناديل ويسقط الطير من الهواء حتى سمعت ان يوما كان يتكلم فى المحيط فسقط طير بين يديه وغرز منقاره في الأرض وقطر الدم من منقاره ومات بين يديه وامثال هذه الحكاية كثيرة فى الآثار والاخبار من جميع الحيوان والسباع والطيور والحشرات ألا ترى كيف تكلم الضب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكيف مدحه بقوله
الا يا رسول الله إنك صادق   فبوركت مهديا وبوركت هاديا
الى قوله
فبوركت فى الاحوال حياً وميتاً   وبوركت مولوداً وبوركت ناشيا
وقوله تعالى { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } فى طلب الحق وافراد قدمه عن الحد والاعتبار فى صنائعه اللطيفة التى تبرز منها انوار الصفات فى العالم ومثليتها انها خلقت من عالم الملك والشهادة الافعال والآدمى والملائكة خلقت اجسامهما من عالم الأفعال وأرواحهما من نور الملكوت لذلك فضلت الملائكة والآدمى على غيرها قال تعالىوَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } الآية وقوله { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } أرى جناحيه جناح التوكل والرضا وجناح الخوف والرجاء وجناح الفناء والبقاء وجناح الإيمان والتقى وجناح النعمة والبلاء وجنات الهمة والصفات وجناح العبودية والربوبية وجناح المعرفة والمحبة يطيرون بها هرباً وطرباً وشوقاً وطلباً واشارة الظاهر في المثلية ان جبلة الامم من عناصر الأربع خلقت ومن طبيعة الحيوانية والروحانية انشئت وتساوت فى الأكل والشرب والحركة والاجتماع وصفات النفسانية ونعوت الذاتية من الحرص والغضب والشره والبطر وحقائقها فى التساوى رجوعها إلى معدن الفطرة الذى انشاها الله منه لقوله تعالىمِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } ومن أئمة التفسير الطاهر قول عطاء قال أمثالكم في التوحيد والمعرفة وقيل إلا أمم في التصوير امثالكم في التسخير وقوام جميع الحيوان والملائكة والجن والانس والجمادات من العرش الى الثرى بالقدرة القادرية الازلية ولهم مشارب وسواق من بحر خطاب الله وكلماته الازلية المبينه طرق توحيد الملائكة ومعرفة الناس وفطرة الحيوانات والطيور والحشرات والسباع الممزوجة طباعها بالعلم بصانعها وخالقها إلى ظهور صفاته وذاته لهم بياناً غير مشكل عليهم ولا ناقص عن تمام مرادهم قال تعالى { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } أي كل ما يحتاج الخلق في العبودية وعرفان الربوبية بينا فى كتابنا ليس مقام ولا حال ولا وجد ولا ادراك ولا معرفة ولا رؤية الا وبين طريقة فى كلامه تعالى صفته الخاصة المبينة عرفان جميع الصفات وطرق الصفات الى الذات اخبر تعالى به عن اسرار الاولين والآخرين من العرش إلى الثرى قال بعضهم في قوله تعالى { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } أي ما أخرنا في الكتاب ذكر أحد من الخلق ولكن لا يبصر ذكره في الكتاب الا المؤيدون بانوار المعرفة.