الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

بقوله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } صلاته وصلته وسجوده قربة وشهوده مشاهدة وركوعه وجد وقيامه حيرة لذلك قال " قرة عينى فى الصلاة " لان قرة عينه ظهور مشاهدة الله فى صلواته ولذلك أزَّه واردات تجلى الجلال والجمال حتى قيل كان يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل اى هذه الصلاة لله لانها مقدسة من رؤية غير الله فيها ومن مثابتها كانت لله خاصة لخصوصية صاحبها وشرفها على جميع الخلائق ولان الصلاة وعبادة الجمهور كانت بالعرض الا هذه الصلاة لانها كانت فناء الحدث فى القدم وقربان منهم روح الاول على باب الازل بسيف المحبة والعشق شوقا الى معدنه وهذا معنى قوله { وَنُسُكِي } فاذا جعل وجوده قربان الازل حى بحياة القديم ثم فنى فى ظهور سطوات العزة به كان حياته ومماته ومثل هذه الحياة والممات والنسك والصلاة ان يكون لله رب العالمين لقدسها عن علة حظ الحدثان وخطرات علة النسيان قال الواسطى بيان هذه الآية فى قولهللَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فمن لاحظها من نفسه قصمته ومن تبرأ منها عصمته كيف يجوز لموحد أن يلاحظ فضلاً قيل من علم انه بالله علم انه لله فان علم نفسه لم يبق فيه نصيب لغير الله فهو مستسلم لحكم الله غير معترض على تقدير الله ولما كان عليه السلام بوصف ما ذكرنا حيث انفرد بفردانية الله أفرد نفسه لله بحيث لا يرى غير الله بقوله تعالى { لاَ شَرِيكَ لَهُ } اى لا رؤية للغير فى البين فى ظهور شمس جلاله من مطلع القلب وقوله تعالى { وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ } اى هو يستحق لإفراد قدمه عن الحدوث ولا يستحق ذلك لغيره وما دام شأنه ذلك خص الله جوهره بأول الفطرة التى انقادت لعزته عند ظهور تجلى هيبته الازلية لها قال سبحانه عقيب قوله { وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ }: { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } اشارة الى تقدم روحه وجوهره على جميع الكون واهله فى الحضرة حين خاطبه بالرسالة والولاية والمحبة والخلة فانقاد فى اول الأول الازلى الابدى تعالى الله عما يقولون الظالمون علواً كبيراً واشار الى ما ذكرنا قوله عليه السلام " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " وقوله عليه السلام " أول ما خلق الله نورى " وقيل فى قوله { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } اى اسلمت لتصاريف قدرته متبرئاً من حولى وقوتي مع ان التسليم فى الحقيقة علة ولما كان سابقا على جميع الخلائق فى حضرة العزة بنعت الانقياد بعز ربوبيته ومعرفته بجلال ديموميته امره تعالى بأن يعرف نفسه الشريفة المبرأ عن علة الحدثان لجميع الخلائق ليعرفه كل صادق ويطيعه كل محب موافق بقوله { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } اى انا فى مشاهدة قدم الله { أَبْغِي } ستاثر على مشاهدته سواه حاشا من عظم شانه ان يكون عوضاً لجماله من العرش الى الثرى قال الجورجانى أسواه أطلب حافظاً وراعياً ووكيلاً وهو الذى كفانى الهمم وألهمنى الرشد قوله تعالى { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } اى ما عملت النفوس الا ما الزمت عليها فى الازل فاذا عملت ترجع اليها لان خالقها منزه عنها قال بعضهم لا تكسب من خير وشر كل نفس الا عليها اما الشر فهو ماخوذ به واما الخير فهو مطلوب منه صحة قصده وخلوه من الرياء والعجب ورؤيته من نفسه والتزين به والافتخار به والاعتماد عليه والاحسان فيه فاذا حصلته وجدته عليه لا اله الا ان يعفو الله عز وجل.