قوله تعالى { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } الصراط المستقيم هٰهنا اغرب طريق فى المعارف والكواشف هداه به نبيه الى نفسه لانه خاص بذلك من جميع الخلائق الا ترى الى قوله { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ } كيف خص هداية نفسه بالرب وذلك وقوع الاسرار فى منازل الانوار وطيران روحه فى الملكوت والجبروت حين شاهد دنو الدنو بوصف الرؤية الكبرى ومسامرات الأعلى بقوله{ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } ما جاز عن سبيل القدم بعلة الحدث لانه كان محفوظا برعاية الازلية وعناية الابدية بلغ الى أقوم الطرق فى مشاعر الصفات ومشاعر الذات الا ترى الى قوله { دِيناً قِيَماً } مستقيما له منزها عن اعوجاج البشرية وطوارق التلوين لانه بحجة المحبة وصراط الخلة التى سبلها جذبات الازل ومكاشفات الابد لقوله تعالى { مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } يعنى طريق محبة ملة ابراهيم فى خلته وان كان هو مخصوصا باغرب طريق المعارف من جميع الخلائق وصفه بالحنيفية المائلة فى طريق المحبة من غير الحبيب من سلك سبيله وصل الى حبيبه لانه مقدس من شوك الشرك وغبار القطيعة بقوله { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } طريق المحبة والخلة واحد فى نفس الاقتداء لان معدنها عين القدم المنزه عن كل علة قال ابو عثمان الصراط المستقيم الاقتداء والاتباع وترك الهوى والابتداع الا ترا يقوله{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } وقيل فى قوله { دِيناً قِيَماً } اى سليما من الاعوجاج وهواجس النفس ووجود لذة المراد فيه ولما وصفه عليه السلام باهتدائه الى جلاله وجماله ووصفه بتنزيهه عن رؤية جميع الخلائق فى عبادة خالقه امره بتعريف حاله وقدس سنائه عن الاذاعة فى الحدثان.