الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

قوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ } ان الله سبحانه فى قلوب العارفين جنان ورد المشاهدات وعبهر المكاشفات وزهر الجمال ونور الوصال وياسمين المودة ورياحين الزلفة فبعضها معروشات كرم حقائق معاملاتها وحالاتها بحيث تلاصق ثمراتها الى حضرة القديم وانوار معارفها تسطع الى سماء اليقين لقوله سبحانهإِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ } يرفعه وذلك من جذب الله صميمها واغصان انوارها الى قربه بقوة ازلية فى ارفاعها اليه وبعض ثمراتها غير معروشة لبقائها على اشجار الهموم والقهوم ليتناولها كل طالب وكل مريد صادق نخلها هو الايمان الثابت فى ارض القلب وفرعها فى عالم الملكوت قال تعالىأَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } وزروعها تنبت فيها من بذر المحبة وهى مختلفة ثمراتها فمنها الانس ومنها القدس ومنها الشوق ومنها العشق ومنها الخوف ومنها الرجاء ومنها العصمة ومنها المعرفة ومنها التوحيد ومنها التجريد وزيتونها اخلاصها تنبت من سيناء الوصال بدهن نور الجمال وصبغ صبح الحلال متشابها فى لباس الالتباس منتهيا فى منظر نور التجلى قال تعالى فى وصفهايُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } ووصفها ايضا بقولهشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } ومن هٰهنا خاطب كليمه بقولهنُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } ورمانها شجرة الالهام الذى ثمره حكمة الحقائق ولطائف الدقائق متشابها وغير متشابه مقاماتها بعضها متدانية من بعضها وبعضها متباعدة من بعضها لان بعضها معاملات وبعضها حالات وبعضها واردات وبعضها مكاشفات وبعضها اسرار وبعضها انوار فخاطبهم رب هذه البساتين بأن يستمتعوا بثمراتها ومنافعها لزيادة قوة الايقان ونور الايمان بقوله { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } ثم امرهم بان يعطوا زكاة هذه النعم المتواترة إلى المريدين الطالبين باخراج لطائفها بنعت البيان على لسان العلم ونشر فضائل المقامات والحالات بقوله { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } أي يوم أكملت الاحوال واستقيم الاعمال بنعت التمكين والاستقامة ثم امرهم بأن لا يبخلوا ولا يكتموا عن اهلها هذه النعم الغيبية المستفادة من لطف الله العزيز بقوله { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } فان كتمانها عن اهلها ظلم واسراف { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } يعنى من كتمانها يكون محتجباً بعدها ما هذه البساتين ما اطيب ثمراتها وما الطف زهراتها وما اعذب أنهارها وما اشرق شموسها وما أنور اقمارها وما ازهر خضرتها وما اكرم نظرتها وما احلى اصوات الحان بلابل اشجارها حين ترنمت بسبحاتي وأنا الحق قال الاستاذ فى تفسير هذه الآية بساتين القلوب اتم من جنان الظاهر فأزهار القلوب مونقة وشموس الاسرار مشرقة وأنها المعرفة زاخرة قال اما إخراج البعض فبيانه على لسان العلم وشهود المنعم فى عين النعمة اتم من الشكر على وجود النعمة.