الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } * { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } بين الله سبحانه من الناس خلق على طبع الشياطين لقولهشَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } وهم اهل السالوس والناموس والمتقشفين بزي الظاهر المدعين مقامات اولياء الله ياخذون مزخرفات الشياطين بقلوبهم ويترفعون بالفاظ الطامات ويغزون بها من لا يعرف الحق من الباطل قال ابو عثمان المغربى فى هذه الآية يلقون على السنة المدعين ما يقطعون به الطريق على المتحققين ولما ذم الله المدعين الذين ماتت قلوبهم فى ظلمات الطغيان واحتجبت بها عن انوار العرفان وصف بعد ذلك احياء المعارف بانوار الكواشف بعد ان كانوا محجوبين بالعدم عن نور القدم بقوله { أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } اى او من كان ميتا بالعدم فاحييناه بنور القدم وايضا او من كان ميتا بالمجاهدات فأحييناه بروح المجاهدات وايضا او من كان ميتا بشهوات النفس فأحييناه بصفاء القلب أومن كان ميتا بالخليقة فاحييناه برؤية الحقيقة وايضا من كان ميتا برؤية الثواب فاحييناه برؤية المآب الى الوهاب { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } اعطيناه نور الفراسة يحكم باستشراق قلبه على الهموم بنور الفراسات فى قلوب الناس وايضاً ألبسانه انوار الغيب فيكون سراجا بين الناس لهداية الناس بإنقاذهم من وثائق الوسواس وايضا كسينا روحه نور مشاهدتنا وعقله نور آياتنا وقلبه نور صفاتنا وسره نور ذاتنا وصورته نور حضرتنا وجعلنا جميع وجوده نورا بين الخلائق ليهتدى به كل ضال من سبيل الرشاد هذا كالذى فى ظلمات طبيعته ونفسه وهاوية هواه متحير لا يهتدى الى طريق الحق لانه فى حجاب القهر ابدا وصف امتنانه على المريدين الصادقين وتفضله على المقبلين وقهره المفلسين واضاف الهداية والضلالة الى عنايته الازلية وكفايته الابدية وقهره السابق فى المشيئة وسمى المريد الصادق ميتا قبل وجدان نوره وروح حياة قربه لانه كان من المقصرين وان كان بعد ذلك من المتوفرين لان اكابر المعرفة كانوا احياء فى بساتين لطف مشاهدته تحت اذيال الطاف قربه احياء من الازل الى الابد قال جعفر عليه السلام فى قوله { أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً } عنا { فَأَحْيَيْنَاهُ } بنا وجعلناه اماما يهتدى بنور الاجانب ويرجع اليه الضلال كمن مثله فى الظلمات كمن يرى مع شهوته وهواه فلم يؤيد بروائح القرب ومؤانسة الحضرة قال احمد بن عطاء أومن كان ميتا بحياته نفسه وموت قلبه فاحييناه بإماتة نفسه وحياة قلبه سهلنا عليه سبل التوفيق وكحلناه بأنوار القرب فلا يرى غيرنا ولا يلتفت الى سوانا قال الجريرى اذا احيا عبداً بانواره لا يموت ابدا واذا اماته بخذلانه لا يحيا أبداً وقال جعفر عليه السلام أومن كان ميتا باعتماده على الطاعات فاحييناه وجعلناه نور التضرع والاعتذار وقال بعضهم ميتا برؤية الافعال فاحييناه برؤية الافتقار قال القاسم احيا اولياءه بنور الانتباه كما احيا الاجساد بالارواح قال سهل من كان ميتا بالجهل فاحييناه بالعلم وقال ابن عطاء اومن كان ميتا بالانقطاع عنا فأحييناه بالاتصال بنا وجعلنا له نوراً ايضا لا كمن تركناه فى ظلمة الانقطاع وقال الاستاذ الايمان عند هؤلاء القوم حياة القلب بالله واهل الغفلة اذا ألهموا الذكر فقد صاروا احياء بعد ما كانوا أمواتا وارباب الذكر لو اعتراهم نسيان فقد ماتوا بعد الحياة والذى هو فى انوار القرب وتحت شعاع العرفان وفى روح الاستبصار لا يدانيه من هو فى اسرار الظلمات ولا يساويه من هو رهين الآفات وقد وجد خاطرى خاصية لطيفة فى حقيقة تفسير الآية ان المراد بالميت الفانى فى عالم نكرة التوحيد حيث بدا له صواعق سطوات الكبرياء والعظمة فاحياه بروح بقائه ومشاهدة أبديته حيث انتعش من بيداء النكرة بانوار المعرفة يمشى بالاسرار والارواح فى انوار البقاء لا يحتجب عن انوار جمال وجهه ابدا فيحيي به كل قلب ميت وتطمئن برؤيتة كل نفس مفتترة عن طاعة ربها مفتونة بظلمات شهواتها ولما استاثر احياء ميته واعطاء نوره لنفسه ومدحه بذلك وبين مزيته على المدبرين حصن نفسه بالعلم الإلهي بوضع ولايته ورسالته فى الاماكن المستعدة لقبول نوره وهدايته.