الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ }

قوله تعالى { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } صرف الله فهم خطابه عن قلوب الاعداء وفسح لطائفها وحقائقها للأولياء كان خطاب الحبيب لا تعرف الا الحبيب بلطف باهله حيث وهبهم فهم كلامه حتى ادركوا الصفة بقوله { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } اى لقوم يعرفون قدرتي ويفهمون خطابي لا لمن يعرف مكان خطابي ومرادي من كلامي قال ابن عطاء { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } حقيقة البيان وهو الوقوف معه حيث ما وقف والجرى معه حيث ما جرى لا يتقدمه بغلبة ولا يتخلف عنه لعجز قوله تعالى { ٱتَّبِعْ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ } لما ذكر تعالى بيانه لعموم اهل العلم لمتابعتهم امره خص حبيبه عليه السلام بما بينهما من اسرار الربوبية ولطائف المحبة وحقائق الانبساط فى المقامات والحالات وافرده بها عن جميع الخلق حيث لا طاقة للخلق مطالعة تلك الاسرار ولا قوة لهم حمل واردات تلك الاحوال غير النبى صلى الله عليه وآله وسلم لانه مؤيد بالقوة الازلية والنصرة الابدية قال { ٱتَّبِعْ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ } أي استعد لحمل واردات سطوات الالوهية وجذبات انوار نعوته الابدية بمواهبه السنية التي اودعت قلوبهم أنوار الغيوب والعلم بإدراك مكنون خطابه لذلك من على المصوفين بهذه وانها خاصته لك الا ترى كيف وصف نفسه له فى وسط الآية بالفردانية والتنزيه عن اشكال الخليقة بقوله { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اى هو وصفه تجلى لك بنعته ووصفه حيث كنت خلقت بنعت استعداد تحمل ظهور الازلية واذا كنت كذلك انت لا تليق بالمشيرين الى غيره فانت اعز وأفضل من ان يكون معك فى هذا المقام احد من المغيرين بحالهم وهذا معنى قوله سبحانه { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } وكان عليه السلام له مقامات فى الوحى كان له وحي خاص الخاص له لا لغيره وذلك موضع سر السر فى دنو الدنو حيث خصه الله بذلك بقولهفَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } وله وحى خاص له ولخواصه واخوانه من الانبياء والاولياء بقوله تعالىوَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } وله وحى عام وهو قوله تعالىبَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } قال بعضهم الوحى سر عن غير واسطة والرسالة والإنزال ظاهر وبواسطة لذلك قالبَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } لان الوحى كان خاصاً له مستوراً لقولهفَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } والاشارة للاولياء فى ذلك تاديباً لهم حيث يتعارض القاء العدو ووحى الله اى دعوا ما سوى الوحى من الهواجس والوسواس واتبعوا ما يحل فى قلوبكم من الخطاب الذى وصفه قدس القلوب من الخواطر والعوارض الا ترى الى قوله عليه السلام في الرابصة: " دع ما يريبك الى ما لا يريبك واستفت قلبك ولو افتاك المفتون ".