الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } جعل حمده فى الأزل طريقا للعباد إلى حمد جلاله وثناء جماله علم فى القدم نفسه واوجب الحمد قطعا قبل كون الكون مقابل عين الذات والصفات فلم ير يحمل حمده فحمل بنفسه حمد نفسه فحمد نفسه ورفع الحمد عن الحدث علما بأن الحدث يكون مثلاً شيئاً في اوائل حمده لأن حمده لا يكون الا بمعرفة المحمود حقيقة بجميع ذاته وصفاته وذلك مستحيل لأن حقيقة ذاته وصفاته غير متناهيه وكيف يدرك المتناهى صفات الذى هو غير متناه وأيضاً قطع الحمد عن غير نفسه وبين أن لا يستحق للحمد الحقيقى إلا وجوده بقوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي لله لا لغير الله وأيضاً أي حمداً لله لله لانه مادح نفسه بالحقيقة لا غير وأيضاً أي الحمد القديم يرجع إلى القديم وليس للحدث فيه نصيب لان حمده ازلى والحمد الازلي لا يليق إلا بالازلي قيل حمد نفسه بنفسه حين علم عجز الخلق عن بلوغ حمده قال جنيد الحمد صفة الله لانه حمد نفسه بتمام الصفة ولو حمد الخلائق كلهم لم تقدروا الاقامة ذرة من صفته وبيان قوله { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } اي هذا الحمد بالحقيقة لمن هذا صنعه وقدرته وما دام لم تقدروا معرفة نعمته في صنعة وفعله لم تقدروا على حمده وثنائه له سمٰوات وأخص سماواته الروح المقدسة وله ارضون واخصها القلب السليم الصافي بوضوح الفطرة الصافية فيه الروح سماء القلب لأن منها تنزل عليه قطرات الالهام ويقع عليها منها انوار الرحمٰن والقلب أرضها لأنه ينبت أزهار الحكمة وأنوار المعرفة قيل السمٰوات المعرفة والارض تخدمة قوله تعالى { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } أي الذي خلق الروح والقلب جعل فى الروح نور العقل العرفان الآيات والشواهد وجعل فى القلب ظلمة النفس الامارة لظهور العبودية فى محل الامتحان وايضا أسرج فى القلب نور الايمان من سراج الغيب وانشأ في النفس ظلمة الشهوات من عالم الريب وايضا نور الروح بنور المشاهدة وادخل القلب فى ظلمة المجاهدة قال بعضهم ابد الظلمات فى الهياكل والنور في الأرواح وقال بعضهم جعل الظلمات اعمال البدن ونور احوال القلوب وسئل الواسطي الحكمة فى اظهار الكون وقوله { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قال لا حاجة له الى الكون لان فقد الكون ظهوره وظهوره فقده عنده فان قيل اظهاراً للربوبية قيل ربوبيته كانت ظاهرة ولم تظهر ربوبيته لغيره قيل لانه لا طاقة لاحد فى ظهور ربوبيته بل اظهر الكون وحجب الكون بالكون لئلا تظهر لاحد الربوبية فنطمس لان الحق فى الحكمة لا يحتمله الا الحق وسئل بعضهم ما الحكمة فى اظهار الكون قال ارتفاع العلة فاذا ارتفعت العلة ظهرت الحكمة باظهار الكون ان الله سبحانه كان موصوفاً بالعلم الازلي وكان فى علمه كون الكون كما هي فاظهر الكون بسابق علمه في ذاته وإرادته السابقة في الأزل بوجود الكون وكيف لا يظهر الكون والعلم والإرادة سابقان في الازل بإيجاده فاذا بقاء الكون فى العدم مستحيل وأيضاً ذاته تعالى معدن صفاته وصفاته معدن فعله فظهر فوائد الذات فى الصفات وظهر فوائد الصفات فى الفعل كان قدرته المنزهة حاملة الافعال فوضعتها بالمادة القديمة في اخص زمان لقوله

السابقالتالي
2