الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله تعالى { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } تفسيره بلسان الاشارة ان ما ينكشف بالبديهة من عالم الملكوت والجبروت واسرار الغيوب وكشوف الصفات وظهور الذات ونزول الكلام والخطاب بالبديهة التى ليس فيها مراقبة العارفين ولا ترصد قلوب المحبين ولا مطالبة الشاهدين ولا قصود المريدين بل سد بحار انوار الالوهية واسرار الملكوتية وغلبان ميول عيون الجبروتية فلله منها يصيب بان يكتموه ولا يخبروا بذلك احدا سترا على الاسرار وخوفا من غيرة الجبار الا ترى كيف وصف النبى صلى الله عليه وسلم بعض ملائكة التى رأهم ليلة المعراج فامسك لسانه من الوصف وقال إلى هٰهنا امرت وما لرسول منها ان يكون بعضا من مقاماته لا يجوز ان يخبر عنه فانه محل ستر الله وغيرته على حبيبه صلى الله عليه وسلم وما للمكاشف الذى هو نائب الانبياء هو يتصرف بنفسه كما يشاء فيوثر لنفسه الخوالص من الاسرار فيكتمها وما يوافق قلوب اهل الصحبة يخبرهم منه وهم على طبقات { وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } الذين شاركوا بعض مقاماته وهم اهل القربة الأعزة فى الصحبة { وَٱلْيَتَامَىٰ } الذين تقطعوا مما دون الحق الى الحق فبقوا بين الفقدان والوجدان طلاب الوصول { وَٱلْمَسَاكِينِ } هم الذين لهم بلغة المقامات وليسوا متمكنين فى الحالات { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وهم الذين ما فروا من الحدث الى القدم فيلاطف قلوبهم بما وجدوا من الله حتى تكون لهم عونا فى طيرانهم الى الله وسيرانهم فى انوار الله ثم وصف من بينهم المساكين تاكيداً وتشريفا لهم ومحبته اياهم بقوله { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } وصف المهاجرين بانهم تركوا ما دون الله لله وخرجوا من نفوسهم وحظوظهم بالله لله ويقبلون عليه بالكلية يبتغون المعرفة بالله من الله والوصول اليه بنعت الرضا وذلك قوله { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } ثم وصفهم بالصدق فى اخر الأية بقوله { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } اى صادقون فى محبة الله وخدمة حبيبه صلى الله عليه وسلم ونصرة اوليائه ما اطيب عيشهم فى فقرهم حيث افتقروا الى الله لطلب قربه ووصاله والله سبحانه يراعيهم ويجعلهم ملوكا ويخدمهم الاغنياء تشريفا لهم وتقريبا قال ابن عطاء هم الذين تركوا كل علاقة وسبب ولم يلتفتوا من الكون الى شئ وفرغوا انفسهم لعبادة ربهم واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم قال الخراز من عطف بقلبه على شئ سوى ربه فليس بفقير لان الله يقول للفقراء المهاجرين وسئل الحسين من الفقراء قال الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان ارادته فهم قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } اثنى الله سبحانه على الفقراء ووصفهم باحسن الوصف اذ كانوا صادقين فى فقرهم ثم اثنى على الاغنياء به لصدقهم فى غنائهم ووصفهم بالايمان والمعرفة بالله من قلوبهم ولزومهم مواضع قربته وخفض جناحهم لاخوانهم من الفقراء ومحبتهم مهاجرتهم اليهم وضيافتهم بقوله { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } ثم وصف ان صدورهم مقدسة من الشح والبخل والبغض والغش والحسد وحب الدنيا بقوله { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } ووصفهم بالسخاوة بقوله { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } بين فى الايتين شرف المقامين من الفقر والغنى الذين هم مقام أمناء الله الذين لم يبق فى قلوبهم من حب الدنيا ومالها وجاهها ذرة وهم الموصوفون فى أخر الأية بقوله { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } اى من صار حبيبه مقدسا من حرص نفسه ظفر برؤية ربه قال سهل حرص نفسه على شئ هو غير الله والذكر له فاولئك هم الباقون مع من احيا بحياته سئل ابو الحسن البوشنجى عن الفتوة قال الفتوة عندى ما وصف الله به الانصار من قوله والذين تبؤأوا الدار الأية قال ابن عطا يوثرون به جوداً و كرما ولو كان بهم خصاصة يعنى جوعا وفقرا وقال الحسين من راى لنفسه ملكا لا يصح له الايثار لانه يرى نفسه أحق بالشئ ملكه انما الايثار لمن يرى الاشياء للحق فمن وصل اليه فهو احق به فاذا وصل شئ من ذلك اليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب او يد امانة يوصلها الى صاحبها ويؤديها اليه سئل سهل عن شرائع الاسلام فقال ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا نعم ما قال الشيخ ما اتاكم الرسول من خبر الغيب ومكاشفة الرب فخذوه باليقين وما نهاكم عنه من النظر الى غير الله فانتهوا.