الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

قوله { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } بين الله سبحانه فى هذه الآية مرتبتين مرتبة التفرقة ومرتبة الجمع الخطاب الاول خطاب الغيبة والخطاب الثاني خطاب المشاهدة، فإذا قال { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } وقع الصبر لجريان الحكم في أمر العبودية. وذكر قوله { رَبِّكَ } ربك بالغيبة لانه فى مقام تفرقة العبودية والرسالة يقتضى حاله حال المشقة لذلك أمره الصبر فاذا ثقل عليه حاله من الغيبة الى المشاهدة بقوله فانك باعيننا اى بحفظك من الاعوجاج والتغير فى جريان احكامنا عليك حتى تصير مستقيما بنا لنا فينا انظر الى ما قال سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم فى قوله فانك باعيننا اى نحن نراك بجميع عيون الصفات والذات بنعت المحبة والعشق ننظر بها اليك شوقا اليك وحراسة لك تحرسك بها حتى لا يغيرك غيرها من الحدثان عنا ويدفع بها عنك طوارقات قهرى فانك فى مواضع عيون محبتنا وانت فى اكناف لطفنا افهم يا صاحبي كيف قال الحق ذكر الاعين وليس فى وجوه اشرف من العيون انظر كيف شرف اذ قال انت بعيننا اى انت على اعيننا محروسا عن قهرنا ورمز الرمز فى قوله انك بأعيننا فان الحبيب عليه الصلاة والسلام فى مقام المشاهدة وكاد ان يفنى فى عظمته وجلاله فحجب بحكمة لحظه والصبر فيه حتى لا يفنى والنبى صلى الله عليه وسلم كان يريد ان يرى الحق عيانا فى عيان ولا طاعة له فالبس الله بعد ذلك عينه نوراً من اعينه فراى الحق بجميع العيون فامتن الله عليه وتعرف اليه مواضع نعمه بقوله فانك باعيننا اى باعيننا ترانا قال سهل ما تطهره عليك من فعل وقدره نتولى جملتك بالرعاية والكلاية بالرضا والمحبة والحراسة من الاعداء وقال ابن عطا فانك باعيننا اى معمور فى حفظنا وغريق فى فضلنا ومستور بحفظنا ومن اختص بالله كان فى حفظه ومن كان فى حفظه كان فى مشاهدته ومن كان فى مشاهدته استقام معه ووصل اليه ومن وصل اليه انقطع عما سواه ومن انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين وقال الحسين اصبر فان صبرك بتوفيقنا وبشهود عيوننا فلذلك حصلت العيون منك عيونا اذ انت الناظر الينا بنا ولم تنظر الينا بما لنا وعنا فيكون بذلك محجوباً عن واجبنا وقال جعفر عند هذا الخطاب سهل عليه معالجة الصبر واحتمال مؤنته وكذلك كل حال يرد على العبد فى حال المشاهدة قال الحسين فى قوله فاصبر لحكم ربك فانك باعيننا وقال للكليم ولتصنع على عيني ليس من هو بالعين كمن هو على العين وليس من افنى بالشئ كمن فنى عن الشئ لان الفناء بالشئ لمعنى الجمع والفناء عن الشئ لمعنى الاحتجاب وقال النورى الصنع بالعين ليس كالصنع على العين ومحمد صلى الله عليه وسلم كان بالعين فى كل وقت وحال ومكان ولما صبر فى جريان احكام الربوبية واستقام فى مقام الجمع بالحق فى الحق وبقى بالحق للحق فى الحق ولم يحتجب بالحق عن الحق امره بتسبيحه وتقديسه وتحميده فى تجميع انفاسه بانه نال هذا الفضل بالله لا بنفسه وانه لم يدركه حقائق الادراك فانه منزه عن احاطة الحدثان به اى نزهنى حين تقوم الى موازاة مشاهدته قدمى ومن الليل حين اطبق عليك تراكم ظلال العظمة والكبرياء نزه عما نجد من النسك به فان الانس ايضا حجاب اذ هو لذة الروح وسبحه عند رؤيتك الاكوان والحدثان وهى ساجدات له فاسجد انت لرؤيتى ولا تنظر الى تسبيحك وسجودك ولا الى تسبيح الكون فان النظر الى التنزيه احتجاب من رؤية المنزه وعن ادراك قدسه بالحقيقة بقوله { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } قال سهل صل المكتوبة بالاخلاص لربك حين تقوم اليها وقال بعضهم نزه ربك عن ظلمه اياك فيما نسب اليك اى فيما اصابك من المحن فلا يصيبك شئ من المحن دون قضايه ومشيته وقوله حين تقوم اى حين تقوم إلى طاعة ربك نزهه بمعرفتك باستغنائه عنك من طاعتك وقال سهل فى قوله ومن الليل فسبحه وادبار النجوم لا تغفل صباحاً ولا مساء عن ذكر من لا يغفل عن برك وحفظك فى كل الاوقات.