الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ }

قوله تعالى { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ } وصف الله سبحانه اهل خالصة الايمان بحسن الإصغاء عند سماع الذكر والخطاب حيث شاهد عقولهم بشواهد الكتاب بنعت الانبساط وشاهد قلوبهم حلاوة الخطاب وشاهد أرواحهم مشاهد جمال الأنبياء وشاهد اسرارهم انوار الصفات بوصف إدراك لطائفها ورؤية نوادر عجائبها فوردت سواقى بحار علومها وشربت مفرحات عجائب مكنونها ورأت غرائب تجلى عرايس غيبها وهاجت إلى طلب معادنها بنعوت شوقها الى جمال المخاطب فلما أدركته عرفته بالإلوهية وعلمته بالوحدانية وعشقته بما رأت من لطيف خطاب معهم وعرفان اسراره فيهم فآثرت ما ادركت فى الأشباح حتى اضطربت وأدمعت عيونها بدمع الشوق واحترقت قلوبها بنيران العشق فى مجالس الذكر والسماع فعرف الله صدق عرفانهم ومواجد قلوبهم بالعلامة الصحيحة وهى سيلان قطرات الدموع الاسحان بوصف الهيجان على حدود اهل العرفان بقوله { وَإِذَا سَمِعُواْ } الى قوله من الحق اى إذا وجدوا فى سماع الخطاب ما فاتوا من لطيف حقائق اسراره وعرفوا حق قدر المخاطِب والمخاطَب استبشروا بالوجدان وحزنوا من ضرر الفقدان وهيج فرحهم وحزنهم الى الشوق والبكاء وذلك البكاء من إصابة عيون قلوبهم الى معارف الغيب ومصادقة أرواحهم شواهد القرب ورب قتيل قتله سماع القرآن من غمرات المعرفة وغشيان النور على قلوبهم روى عند جنيد قال كنت قائماً أصلى فقرأت هذه الآيةكُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } فرددتها مراراً فنادى منادٍ من ناحية البيت كم تردد هذه الآية فلقد قتلت بها اربعة نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم الى السماء حتى ماتوا من ترديدك هذه الآية وكان الصديق رضى الله عنه لا يتمالك بكاءه عند سماع القرآن ثم وصف الله سبحانه مؤمنى اهل الإنجيل بزيادة التصديق بما ذكره فى كتابه من قولهم { يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } اى صدقناك بما عرفتنا قدر رسولك وأصحابه فانهم شاهدون قربك ووصالك قال ابن عطاء فى تفسير قوله { وَإِذَا سَمِعُواْ } كادت جوارحهم قلوبهم ان تنطق بقبول الوحى قبل سماعه فى مشاهدة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولما سمعوا منه لم يطيقوا حمله إلا ببكاء فرح او بكاء حسرة أو بكاء دهش أو بكاء حرقة أو بكاء معرفة كما قال الله { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ } قال الأستاذ اذا قرع سمعهم دعوة الحق ابتسم البصيرة فى قلوبهم فسكنوا الى المسموع لما وجدوا من التحقيق.