الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ان الله سبحانه خوف نبيه عليه الصلاة والسلام من نفسه حتى لا يبقى فيه غير الله ويسقط عن عينه الخلق ولا يفزع منهم فى وصف علتهم ومداواة معايبهم وحثه على تبليغ ما اخبر الله اليهم فان الله تعالى أراه ما لهم بين يديه بقوله { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } ومع ذلك امره بإبلاغ ما انزل اليه من الذى يتعلق بأحكام العبودية ولم يأمر بأنه يعرفهم أسرار ما بينه وبين الله وما بين الله وبين اوليائه فإن ذرة من اسرارها لم يحتملها السموات والأرضون والا الحدثان بأسرها لانها وصف خاصية الصفات وكشوف انوار الذات ومحل الأنس والجمال بنعت الانبساط والاتصاف والاتحاد ودعوى الانانية والازلية والسرمدية وذلك ما أبهم الله على قلوب الخلائق من العرش الى الثرى من السر ما بينه وما بين قلب نبيه فى محل الدنو ودنو الدنو لقولهدَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } لا يطيق اهل الكون ان يحتمل ذرة من ذلك الوحى وكيف يحتمل الحدثان كشف قدم الرحمن كان عليه السلام حمله به لا بنفسه لان الحدث متلاش فى الأزل ويبقى انه فى عصمته من كيد نفوسهم وشر معاصيهم بقوله { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } اى يعصمك من ان يوقعك احد فى التمويه والغلط والخيال فى طريقك إليّ وهذا لكونه مختاراً بالرسالة وحقائق الرسالة فى الرسول ظهور انوار الربوبية فى قلبه وبيان احكام العبودية فى سره قال الواسطى حقائق الرسالة لو وضعت على الجبال لذابت الا انه تظهرون العالم على مقادير طاقتهم ألا ترى الى قوله { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ولم يقل ما تعرفنا به اليك قال بعضهم معناه بلغ ما انزل ودع ما تعرفنا اليك الاول الشريعة والثانى ما انزل من الانوار على سر محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يطيقها بشر قال بعضهم بلغ ما انزل اليك ولا تبلغ ما خصصناك به من محل الكشف والمشاهدة فإنهم لا يطيقون سماع ما أطقت حمله من مشاهدة الذات والتجلى بالصفات وقال بعضهم الرسول هو المبتدى والنبى هو المقتدى قال الله فى صفة الانبياءأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } قيل فى قوله { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } اى يعصمك منهم ان يكون منك اليهم التفات أو يكون لك بهم اشتغال قيل يعصمك من ان ترى لنفسك فيهم شيئاً بل ترى الكل منه وبه وقال الاستاذ فى قوله { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } اى بين للكافة انك سيد ولد آدم وان ادم دون لوائك ويقال { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } انى أغفر للعصاة ولا أبالي وأرد المطيعين من شئت ولا أبالي ويقال فى قوله { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي حتى لا يغرق فى بحر التوهم بل تشاهدهم كما هم وجوداً بين طرفى العدم.