الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } بدأ بغسل الوجه لانه منبت انوار تجلى الحق التى برزت من الوحدانية للارواح فعكست لطائفها على الوجوه وايضا خص الوجه بالغسل ابتداء لانه تعالى خلقه بنفسه ونفسه بنقش خاتم ملك الصفات وسبب حكمة غسله بالماء انه مغير بغبار الشهوات منعوت بنعت الحدث وخاصية جوهر الماء انه تعالى خلقه من جوهر اول الفطرة حيث تجلى له من نور قدسه وسناء عظمته فاذا وصل الى الوجه صار طهوراً من دنس توجهه الى غير القدم ببركة نوره وقدسه الذى اصل جوهر الماء وكذلك جميع الاعضاء فاذا كان العبد بهذه الصفة فى الطهور أجدر أن يكون مقبلاً الى الله بوجهه قال عليه الصلاة والسلام " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى يخرج من تحت أظفاره " والاشارة فى الآية الى تطهير الاسرار من الالتفات الى الاغيار لاقتباس الانوار بمياه الحزن التى تجرى من عيون قلب المجروح بالمحبة على سواقى العين فاذا كان مطهراً من غير الحق فصلاته مواصلة وحركاته قربة وقراءته زلفة وقيامه محبة وركوعه خشية وسجوده شهود وتحياته انبساط ودعواته مستجابة اى اذا قمتم عنكم الى وصلتى ومشاهدتى طهروا أنفسكم من الحدوثية فى بحار الربوبية حتى تصلوا إليّ بى لان الحدث لا يقوم بازاء القدم قال ابو عثمان شرائط الطهارة معروفة وحقيقتها لا ينالها الا الموفقون من طهارة السر واكل الحلال واسقاط الوسواس عن القلب وترك الظنون والاقبال على الامر بحسب الطاقة وقال سهل افضل الطهارات ان يظهر العبد من رؤية طهارته قوله تعالى { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } تواتر العزائم بغير الرخص حرج ثقيل على المستأنسين بالله مما سوى الله مانعة لأهل المجاهدة بقيودها عن الاقتحام الى عالم الشهوات فرفع الحرج عن المحبين وبساط الكرم للمشتاقين وسهل احكام العبودية على العارفين بوضع الرخص زيادة لاستشواقهم الى مشاهدته وتقديسا لأسرارهم بنور مشاهدته وهذا معنى { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } أي أنه لا يريد نصب المجاهدة على اهل المشاهدة لانه تعالى أضاف تطهير اسرارهم الى نفسه اليهم قال { يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } وما قال لتتطهروا اى يطهركم عنكم بنور مشاهدته قال بعضهم يريد ان يطهركم من افعالكم واحوالكم واخلاقكم ويقيكم عنها لترجعوا إليه بحقيقة الفقر من غير تعلق ولا علاقة بسبب من الاسباب قال الاستاذ يلوح من هذه الآية اشارة الى انه إذا نفى المريد عن احكام الارادة فليحط رحله بساحات العبادة واذا عدم اللطائف فى سرائره فيستدم الوظائف على ظاهره واذا لم يتحقق بأحكام العبودية فلا يخلون من اداب الشريعة واذا لم يخرج عن الفضلة فلا يدلس تصرفه بالحرام والشبهة وقال فى قوله { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } اى يطهر ظواهركم عن الزلة بعصمته ويطهر قلوبكم عن الغفلة برحمته قوله تعالى { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } اتمام النعمة هٰهنا بيان العبودية للعباد وتعليمهم آداب المعاد لينالوا بها رؤية المنعم بنعت الخجل عن اداء واجب حقوقه بنعت ما يليق بجلاله وهذا هو الشكر المطلوب من عباده بقوله { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } قال الاستاذ اتمام النعمة لقوم نجاة نفوسهم وعلى آخرين نجاتهم عن انفسهم فشتان بين قوم وقوم.