الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله تعالى { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } الربانى الذى يعبد الرب بالمعرفة والمحبة التوحيد فإذا وصل الى الحق بهذه المراتب والاستقام فى شهوده جلاله وجماله واصفاً بصفات الله حاملاً انوار ذاته فإذا فني عن نفسه وبقي بربه صار ربانياً ومثله مثل الحديد فى النار ومن فى النار كان مستعداً لقبول النار ولم يكن ناراً فإذا وصل إلى النار واحمرّ صار نارياً هكذا شأن العارف منوراً بتجلى الرب صار ربانياً روحانياً نورانياً ملكوتياً جبروتياً كلامه من الرب الى الرب مع الرب وإن عشاق الله واحباؤه الحاضرون بين يديه المكاشفون وجه الله سبحانه والأحبار الذين يسمعون به من الله بلا واسطة المفرقون بين الحق والباطل بنور الله قيل الربانيون الراجعون الى الرب فى جميع أحوالهم والاحبار العلماء بالله وبآياته وقيل الربانيون العلماء بالله والأحبار العلماء بأحكام الله وقال ابن طاهر: هم الصحابة الذين اخذوا كلام الرب عن السفير الأعلى والواسطة الأدنى والأحبار علماء الأمة العاملون قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَآ أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } العارف بالأمر من الله في جميع انفاسه وحركاته تتنزل على قلبه من الله وحى الالهام وربما يخاطبه بنفسه ويكلمه ويحدثه بحديثه كقوله عليه السلام " ان فى أمتى محدثين ومكلمين وأنَّ عمر منهم " فإذا لم يحكم بما أنزل الله على قلبه بأن يخرجها من الشك الى اليقين ومن الظلمة الى النور ومن المخالفة الى المتابعة ومن الكذب إلى الصدق ومن الشرك الى التوحيد ومن الظلم الى العدل ومن العصيان الى الطاعة يكون موصوفاً بهذه الآيات الثلاثة كفر إنعام الله الذى هو مقام الخطاب وظلم بأنه لم يضع علمه على علمه وفسق عن مراد الله الى خلقه قال بعضهم: من لم يحكم للناس كحكمه على نفسه وقد كفر نعم الله عنده وجحد سني مواهبه لديه فظلم بذلك وقيل: من لم يحكم خواطر الحق على قلبه كان محجوباً من المبعدين.