الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله تعالى { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } اتفق اهل التفسير ان الله لا يغفر للمشركين الذين ماتوا على شركهم ذلك مذهب المسلمين جميعا وقد ارى هٰهنا لطيفة وهى ان الله تعالى اجرى على لسان عيسى سراً مكتوما مبهماً على قلوب جميع الخلائق الا من كان من اهل خالصة سره ومحال ان خفى على عيسى ان من مات على الشرك وهو غير مغفور فى ظاهر العلم ووارد الشرع وإنما نطق بذلك من عالم السر المكتوم فى الغيب ومفهوم اصل خطاب فى ذلك كأنه اشار الى ما اشار ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم فى قوله تعالىخَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } فلا تؤمر النار ان تأكلهم وتفنيهم ثم تجدد خلقهم قال ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان يخفق ابوابها ليس فيها احد وذلك بعد ما يلبثون فيها احقابا قال الشعبى جهنم اسرع الدارين عمراناً وأسرعهما خرابا ألا ترى الى صورة اللفظ { إِن تُعَذِّبْهُمْ } يعنى بكفرهم { فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } فهو حق لاطلاق الملك لك { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } ما هم فيه في الدنيا اليوم من يمنعك عن ذلك وانت العزيز الواحد بالوحدانية فى ملك لست بجاهل فى غفرانهم فانك حكيم فى امرك ومرادك وامضاء مشيئتك ونحن لا نقول اكثر من هذا فانه موضع الاسرار وايضا { إِن تُعَذِّبْهُمْ } بدعوى المعرفة بان توقعهم فى درك الحيرة والفناء فى عظمتك وان تغفر لهم بان تدخلهم فى مقام الالتباس حتى لا يدركوك بنعوت الوحدانية وبقوا فى حجاب حظوظهم عنك بك قال الوراق ان تعذبهم بتقصيرهم فى طاعتك فانهم عبادك مقرون لك بالتقصير وان تغفر لهم ذنوبهم فانت اهل العزة والكرم فلم يبدل لها الا لمن خلقه لها ومن هو حق بها واهلها قال بعضهم ترك عيسى الانبساط فى السؤال للأمة وترك المحاكمة مع الحق فى افعاله ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال يشفع ويقول أمتى أمتى حتى يجاب فى الكل من امته وهذا هو المقام المحمود الذى خص به ويغبط عليه الاولون والاخرون حيث يراجع الحق منبسط ويجاب بقوله قل تسمع واشفع تشفع.