الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

قوله تعالى { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ } أي ما قلت لهم الا ما امرتنى به اى ما قلت لهم الا بافراد قدمك عن الحدوث واسقاط الغير عن البين وهو قوله تعالى { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } اظهر عبوديته فى عبوديتهم فرد للموحد المنزه عن الانداد والاشباه قوله تعالى { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } اى فى الدنيا فى طاعتهم وعصيانهم وما كشفت لى من بعض سرائرهم وايضا اى كنت عليهم شهيدا { مَّا دُمْتُ } فى مقام الرسالة وابلاغ الوحى اليهم اما اذا افنيت عن الاكوان من صولة مشاهدتك فغاب عن اخبار اهل الكون وتصديق ذلك قوله تعالى { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } اى كيف تخفى عليك ما خلقت ظاهره وباطنه وانت قديم محيط بكل ذرة من العرش إلى الثرى فالعجز عن ذلك صفة من يتلاشى فيك كما انا حين توفيتنى عنى اليك قيل فى قوله { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ } انى لى لسان القول الا بعد الاذن بقولكمَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقيل فى قوله { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } اى لما اسقطت عنى ثقل الإبلاغ كنت مراقبا لهم بما اجريت عليهم من مختوم قضائك قال ابو بكر الفارسى فى هذه الآية الموحد ذاهب عن حاله ووصفه وعن ماله وعليه وانما هو ناظر بما يرد ويصدر ليس بينه وبين الحق حجاب ان نطق نعته وان سكت فيه حيث ما نظر كان الحق منظوره وان ادخله النار لم يلتمس فرجا لان رؤية الحق وطنه ونجاته وهلاكه من عين واحدة لم يبق حجاب الا طمسه برؤية التفريد وكان المخاطِب والمخاطَب واحداً وانما كان يخاطب الحق نفسه بنفسه لنفسه قد تاهت العقول ودرست الرسوم وبطل ما كانوا يعملون.