الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ } اى اذكر لخواص احبائى والمريدين ما انعمت عليك من كشف جمالى لك واظهار علومى عليك وتجلائى منك للعالمين والقاء كلمتى الى امك اذ برزت منها انوارها تظهرك ملتبسا بلباس نور الألوهية وذلك حين { أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } اى بروح المعرفة التي اشرقت من صبح الازل وذلك النفخ الاول الذي نفخت فى آدم من روح بتجلى جلالى وظهور جمالى الا ترى الى قولهإِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } كشف عن قدسه لصورة عيسى فصار حيا بكشفه ومقدساً بروح قدسه عن تهمة مزج اللاهويتة بالناسوتية فصار جميع وجوده روحا قدسيا الا ترى كيف كان يحيى الموتى باذن الله اى بتأييد الله وجلال نور روح قدسه وايضا أيدتك بجبرئيل عليه السلام ليعرفك مكان العبودية والشريعة ويلزمك فى مهد البشرية فانك صدرت من نور الربوبية لولا ذلك ما سكنت فى الكون قال بعضهم منهم من القى اليه روح النبوة ومنهم من القى إليه روح الصديقية ومنهم من القى اليه روح المشاهدة ومنهم من القى اليه روح الصلاح والحرمة وأسرّ إليهم مما لا يترجم ولا يغير علم ربانى غاب وصفه وبقي حقه وقال الواسطى لا يصح الصحبة مع الله الا بصحبة الروح فى صبحة القدم قال الله { أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } الا بالعقل فمن صحت صحبة روحه فى القدم صحت صبحته مع الله وقال فى قوله { أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } ذكر الروح فى هذا الموضع لطفا لقربه من المستترات قال بعضهم قدست روحك ان يمازج شيئا من هيكلك وطبعك بل ظهرته لئلا ترى غيرى ولا تشاهد سواي وأسكنته قالب جرمك سكون عارية كاسكان آدم الجنة لأطهر به جسدك عن ادناس الكون حتى أقدسهما جميعا وأخرجهما الى محل القدس ومن تمام نعمة الله عليه صيرورة جسمه بنعت روحه فى المهد على مثابة بالقوة الإلهية بأن نطق بوصف تنزيه الله وقدسه وجلاله وربوبيته وفناء العبودية فيه وبقي القدرة فيه فى كهولته حتى عرف عباد الله تنزيه الله وقدس صفات الله وحسن جلال الله وهذا معنى قوله تعالى { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } وزاد فى وصفه بقوله تعالى { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ } تجلى بقدرته ليده حتى تخط بغير تعلم { وَٱلْحِكْمَةَ } اى حكمة معارف العشق وطريق كواشف الملكوت وبطون الافعاليات بنعت ماهيتها { وَٱلتَّوْرَاةَ } علمه ما علم موسى بنعت تجلاه له من نور التوارة ليعلم شرائع المعرفة وحكم الربوبية { وَٱلإِنْجِيلَ } عرفه أناجيل القدمية بظهور صفات الابدية وزاد وصفه على وصف باتصافه بالقدرة القائمة والقوة الإلهية فى خلق الطير حين نفخها من نفخ روح القدس التى فيه وذلك امارة ظهور ربوبية الله منه ولذلك كان قادرا على ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى والاستشراف على مكنون الغيب بقوله بما وصف فى موضع آخروَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } قال ابو على الرودبارى فى قوله { وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ } غاية الربوبية فى غاية العبودية لما استقام على بساط العبودية اظهر عليه اشياء من اوصاف الربوبية بقضائه وقدره.