الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } نفى الله سبحانه المنة عن الحدثان اذ لا يصلح ان يكون لاحد قدرة بانشاء شئ من نفسه فاذا بين ذلك صرف المنة الى نفسه بان له المنة الازلية حيث اوجد الخلق بلا ملة بل فضلاً ورحمة منه فمن اقبل اليه يرجع نفعه اليه لان ساحة الكبرياء منزهة عن علل الخليقة والعجب ان يكون الحدث محل منته القديمة ومنته لا يحتمل غيره قال الواسطى لفظة المنة فى محل التلبيس لان العباد ان لم يصحبهم رؤية المنة هلكوا ولان رؤية المنة حجاب كبير وفى رؤية المنة استدراج عظيم وكيف وهو لا يمن على احد يعرفه وانما المن على من حجبه ذكر المنن جواب فى الحقيقة لمن من عليه الا ترى الى قوله يمنون عليك وفي كرمه لا يجوز المنة على احد من الناس اذ المنة تقع على من هو خارج من ملكه فالمن على شيه تستحيل وما عملت ان الكلام فى الحقيقة لا يمن لا سيما اذا كان الممنن عليه من خدمه قال الحسين فى قوله بل الله يمن عليكم هذا جواب لما سلف من قولهم لا ان احدا يستطيع حمل منته فكيف بمن على من لا خطر له عنده ولا اثر منه عليه واعجب منه ان لا يمن على احد الا بالمخلوق ولا وزن للكون عنده فكيف بمن لا وزن له على احد عجبت من مقالة اكابر المشايخ بأن منة الله على العبد حجاب ومكر ان ارادوا بالمنة الفعل واصطناع الكريم يكون ذلك مكراً لأن العبد اذا كان فى رؤية النعمة فهو محجوب من رؤية المنعم وان ارادوا بالمنة صفته الازلية بانه منان على كل ذرة من العرش الى الثرى فان ذلك ليس بحجاب اذ منا نيته كشوف وصفه بنعت تعريف نفسه لعباده ليعرفوه بالصفة لا بالغير ولذلك قال الجنيد قدس الله روحه لمن من العباد تفزيع وليس من الله تفزيع وانما هو من الله تذكير النعم وحث على شكر المنعم ثم بين سبحانه ان المتكلفين باسلامهم على حبيبه عليه الصلاة والسلام من جهلهم بالله وبانفسهم اذ ليس لهم منة لانهم عجزه انفسهم والمنة لمن هو منزه عن الخلل والنقصان وهو محيط بكل ذرة بعلم ازلى ويعلم حقائق الاشياء اذ هو موجدها بقوله { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ليس له غيب اذ الغيب شئ مستور وجميع الغيوب عيان الله وكيف يغيب عنه وهو موجدة يبصر ببصره القديم ما كان وما لم يكن اذ هناك العلم والبصر واحد.