الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ما حرم الله المؤمنين من رشاش بحار معرفته وانوار قربه بل خصهم بما خص به الانبياء عليه السّلام فى اوايل احوالهم وتلك السكينة وهو وقوع نور المشاهدة على اسرارهم فقويت به فى تراكم بوادى الواردات الغيبية وامتحانات إلهية وبذلك النور يزيد انوار ايمانهم قال الله فى موضع أخر فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والسكينة شهود وكشف الجمال فى قلوب اهل الكمال والبصيرة تورث فى اسرارهم الانس والبصيرة كشف الجلال فى قلوب العارفين فيبصرون به نوادر الغيوب وعجايب القلوب لذلك قال { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } وذلك الايمان هو البصيرة قال الواسطى البصيرة مكشوفة والسكينة مستورة الا ترى الى قوله هو الذى انزل السكينة إلخ؟ فبالسكينة ظهرت البصيرة والسكينة هداية والبصيرة عناية واذا اكرم العبد بالسكينة يصير المفقود عنده موجودا والموجود مفقوداً سئل بعضهم ما اوّل ما كشف الله به عباده قال المعارف ثم الوسائل ثم السكينة ثم البصائر فلما كاشفه الحق بالبصائر عرف الاشياء بما فيها من الجواهر كابى بكر رضى الله عنه ما اخطأ فى نطق قال جعفر سمعت الجد يقول ليسعوا الى الايقان والى مشاهدته بعين القلب فكانت هذه المعرفة زيادة على المعرفة الاولى ما غاب عن العبد بما شاهدت القلوب بالايقان وقال سهل هى نور اليقين يسلكون به الى عين اليقين وعين اليقين هى التى تدل على الحقائق وهى حق اليقين وقال بعضهم السكينة يقذف الله فى قلوب اوليائه يسكن به نفس اوليائه عن المعارضات قال الاستاذ السكينة ما يسكن اليه القلب من البصائر والحجج فيرتقى القلب بوجوده عن حد الفكرة والسير الى روح اليقين وتلج الفؤاد فيصير العلوم ضرورية هذا للخواص واما عوام المؤمنين فالمراد منه السكون والطمانينة واليقين قوله تعالى { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } جنوده هم سماوات ارواح العارفين وقصور ارض قلوب المحبين وأنفاسهم جنوده تنتقم بنفس منهم من جميع أعدائه فيقهرهم، وذلك أن واحداً منهم يضيق صدره من اعداء الله فبان انه يحترق بها أهل الضلالة الا ترى كيف قال سكران الطور حين دعا على الكفرة ربنا اطمس على اموالهم واشد وعلى قلوبهم فصاروا حجارة محماة وكيف قال سيد البريات فى وجوه الكفرة حين قال " شاهت وجوههم " فانهزموا باذن الله وكذا حال كل صديق مع الله يوقع نيران الهلاك بين الضلال بنفس واحد فيهلكوا باقل من لمحة كما دعا نوح على قومه فقال لا تذر على الارض من الكافرين دياراً فهلك به اهل الارض جميعا الا من أمن وكل ذرة من العرش الى الثرى جنوده حتى لو سلط نملة على حية عظيمة لتدمرها ولو سلط بعوضة على الاكوان جميعا لخربتها بقوة الله الا يرى كيف قال عليه السّلام " لله جنود منها العسل " وهذا محل الانفراد بالله والتوكل على الله فانه عون كل ضعيف وحسب كل عاجز قال سهل جنوده مختلفة فجنوده فى السماء الملائكة وجنوده فى الارض الغزاة وايضا جنوده فى السماوات الانبياء وفى الارض الاولياء وايضا جنوده فى السماوات القلوب وفى الارض النفوس قال بعضهم ما سلط الله عليك فهو من جنوده ان سلط عليك نفسك اهلك نفسك بنفسك وان سلط عليك جوارحك وبجوارحك وان سلط نفسك على قلبك قادتك فى متابعة الهوى وطاعة الشيطان وان سلط قلبك على نفسك وجوارحك زمها بالادب فالزمها العبادة وزينها بالاخلاص فى العبودية وهذا تفسير قوله ولله جنود السماوات والارض.