الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ } كان بنفسه ابلغ الهداية للخلق فإنه مصارف أياته وبرهانه قال الله ولتكون أيه للمؤمنين معه نور الصفة لانه كان قلبه مشكاة نور القرأن قال الله مثل نوره كمشكاة وقال نزله على قلبك ودينه بيان معرفة الله والأداب فى حضرته وبهذه الصفة شهد الله انه ارسله بهذه الاوصاف واثبت رسالته بشهادته بقوله { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } شهادته ازلية شهد على اصطفائيته فى الازل ثم وصف اصحابه ومتابعيه الى يوم القيامة باختصاصات شريفة واخلاق كريمة وعلامات صحيحة وأداب جميلة بقوله { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } اى معه فى الازل باصطفائية الولاية بنعت الارواح لا برسم الاشباح ومن خاصية صفتهم انهم اهل الهيبة والغلبة على اعداء الله والرحمة والكرم مع اولياء الله قال الله { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ثم زاد فى وصفهم بقوله { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } راكعين على بساط العبودية من رؤية انوار العظمة ساجدين على بساط الحرمة من رؤية الجمال يطلبون مزيد كشف الذات والدنو والوصال والبقاء مع بقائه بغير العتاب والحجاب وهذا محل الرضوان الاكبر بقوله { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } ثم وصف وجوههم ان يتلألأ منها انوار مشاهدته التى انكشفت لهم فى السجود حين خضعوا فى ملكوته من رؤية عظائم جبروته بقوله { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } ثم وعدهم بنيل مرادهم من وصاله وكشف جماله لهم ابد الابدين بلا وحشة ولا فترة فى أخر السورة بقوله { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } ايمانهم رؤية نور الغيب بالغيب وتصديق الغيب برؤية الغيب وعملهم الصالح الخروج من الحدثان شوقا الى جمال الرحمن ومغفرة الله لهم انه غفر لهم تقصيرهم فى العبودية بان يجلسهم على بساط قربه ويلبسهم لباس نور وصله ويتوجهم بتاج المحبة ويسقيهم من شراب الدنو والزلفة قال الله سبحانه وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال القاسم فى قوله ارسله بالهدى ودين الحق ارسل الرسول وعظم حرمته باضافته الى نفسه فمن لم يعظم من عظمه الله فهو لقلة معرفته بعظمة الله ارسله مبينا للشريعة مبينا احاكمه داعيا اليه وجعل طاعته طاعته لم ينفصل الرسول عن الحق فى الايجاب والنفى والبلاغ والمشاهدة ولم يتصل به من حيث الحقيقة وسئل الحسين متى كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكيف جاء برسالته فقال نحن بعد فى الرسول والرسالة والنبى والنبوة اين انت عن ذكر من لا ذاكر له فى الحقيقة الا هو وعن هوية من لا هوية له الا بهويته وأين كان النبى عن نبوته حيث جرى العلم بقوله محمد رسول الله والمكان عليه والزمان عليه فاين انت عن الحق والحقيقة ولكن اذا اظهر اسم محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة عظم محله بذكره له بالرسالة فهو الرسول المكين والسفير الامين جرى ذكره فى الازل بالتمكين بين الملائكة والانبياء على اعظم محل واشرف حال قال سهل فى قوله سيماهم فى وجوهم من اثر السجود المؤمن وجهه الله بلا فناء مقبلا عليه غير معرض عنه وذلك سيما المؤمنين وقال عامر بن عبد قيس كاد وجه المؤمن يخبر عن مكنون عمله وكذلك وجه الكافر وذلك قوله سيماهم فى وجوههم وقال بعضهم ترى على وجوههم هيبته لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم قال ابن عطا ترى عليهم خلع الانوار لايحة وقال عبد العزيز المكى ليس هى التحولة والصفوة لكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك فى زنجى او حبشى والله اعلم.