الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } نبهنا الله فى ذلك من سر عجيب وهو أن ابواب كشف القدم مسدودة على اهل الحدثان ولم يظهر لاحد عين ذات الازل ففتح الله ابوابه لعين محمد صلى الله عليه وسلم حتى راه كفاحا ففتح سمعه فاسمعه كلامه شفاها وفتح باب قلبه وروحه وسره فعرف نفسه لها حتى وجدت ابواب خزائن علومه الغيبية مفتوحة وفتح الله جميع ابواب وجود حبيبه صلى الله عليه وسلم حتى الشعرة على بدنه وجعلها عيونا مفتوحة بمفاتيح توحيده وانوار بحقيقة حتى راه بجميع عيون وجوده وذلك الفتح ظاهر من وجوده حتى لا يراه احد الا ويرى نور الصمدية ينتشر من بشرته لكن كان محجوبا من عيون الاغيار بقوله ينظرون اليك وهم لا يبصرون وذلك الفتح سبب غفران ذنبه الاول وذنبه الاخر الذنب الاول سقوطه من زند الفعل على نور الصفة اذ اتى فى اوّل الاول بوجود الحدث الى ساحة القدم ومع ما اتى به لم يات بحقوق الازلية عليه بكمالها فاذا قصر فى واجب حق الربوبية بكماله صار ذلك ذنبه الاول وذنبه الاخر وقوفه بنعت الخطاب على مدارج العبودية بعد ان غاص فى بحر الربوبية فان من شرائط وجدانها الخروج من المرسومات فذلك الفتح سبب غفران الذنبين وليبلغه الى محض الاتصاف والاتحاد حتى يسير الربوبية فى ركاب حيزوم القدم فى ميادين الازل الى الابد بنعت التوحيد والتجريد والتفريد وذلك تام ونعمته التى عليه اخبرنا الحق عنها بقوله { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } ثم بين انه يهديه الى طريق مشية الازل المستقيمة بالارادة والوحدانية وذلك الطريق ما يسلك فيه عساكر جنود انوار التجلى والتدلى بقوله { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } ذلك الصراط للحق لا للخلق لان الحادث لا يسلك فى القدم اقامة الحق على راس ذلك الطريق وكان لا يعرف اين يسلك حتى بدا له انوار بريد تجلى القدم الذى استقبله فهداه الى مسالك الديمومية فاذهب به الحق الى معارج دنوه وذلك ما انبانا الله من سيره من الحدث الى القدم بقولهسُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } فاذا وصل الى قلب عساكر الوحدانية وغلب عليه سطوات جنود الفطنة استغاث منه اليه حيث قال اعوذ بك منك فلبسه الله انوار ربوبيته وايده بقوته الازلية حتى استقام بالحق الى الحق فاخرج الحق جنود رحمته الباقية فقواه بها وسكن بها قهر القدم بقوله سبقت رحمتى غضبى وذلك قولهوَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } قال ابن عطا جمع الله للنبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الأية من نعيم مختلفة بين الفتح المبين وهو من اعلام الاجابة والمغفرة وهى من اعلام المحبة وتمام النعمة وهى من اعلام الاختصاص والهداية وهى من التحقق بالحق والنصر وهو من اعلام الولاية والمغفرة تبرئة من العيوب وتمام النعمة ابلاغ الدرجة الكاملة من الحق والهداية هى الدعوة إلى المشاهدة والنصرة هى رؤية الكل من الحق من غير ان يرجع الى سواه وقال الواسطى فتح عين رسوله صلى الله عليه وسلم لمشاهدته فى السرى وفتح سمعه لفهم كلامه كفاحا بعد ان قواه لذلك واكرمه به وقال ابن عطا كشف ذنوب الانبياء عليهم السّلام ونادى عليهم وستر ذنوب النبى صلى الله عليه وسلم بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر قال ابو يزيد فى قوله ويهديك صراطا مستقيما هو السبيل الى قربه ليلة المعراج حيث تاخر جبرئيل عليه السلام ولم يكن ذلك محله فهدى الرسول صلى الله عليه وسلم الى السبيل الحق وهو الصراط المستقيم وقال ابن عطا لما بلغ الى سدرة المنتهى قدم النبى صلى الله عليه وسلم واخر جبرئيل عليه السلام فقال النبى صلى الله عليه وسلم لجبرئيل تتركنى فى هذا الموضع وحدي؟ فعاتبه الله حين سكن إلى جبرئيل فقال: { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وقال أيضاً يهدى بك الخلق الى الطريق المستقيم وهو الطريق الى الحق من جعله امامه قاده الى الخلق ومن لم يقتد به فى طلب الطريق الى الحق ضل فى طلبه واخطأ طريق رشده.