الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله تعالى { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } وصف الله سبحانه نفسه بغنى القدم واستغنائه عن الكون وما فيه وان خزائن جوده لا نهاية لها وغناه صفته الازلية القائمة يحوى حواشى بحارها فقر اهل الاكوان والحدثان فيغنيهم بغناه الذى لا فقر بعده وحقائق معنى الخطاب للمتصفين بصفاته الذين وجدوا مقام الغنى من الله بعد ان كساهم الحق نور غناه وجردهم عن مقام الفقر الذى هو مستفاد من نعوت تنزيه القدم اذ كان ولا مكان ولا وقت ولا زمان اى انتم وان بلغتم الى مقام الاتصاف بصفة غنائي فانتم بعد فقراء اذ الوصف للموصوف لا للمتصف وانه لا نهاية له قال الجنيد فى موضع الغنى كسوة الحق وقال سهل معرفة علم السر كله للفقر وهو سر الله وعلم الفقر الى الله هو تصحيح علم الغنى بالله قال الجنيد والله الغنى وانتم الفقراء لان الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالربوبية ثم بين وصف غناه من العالمين فى أخر السورة بقوله { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } اى اذا ذقتم طعم شراب وصالى وسكرتم لمشاهدة جمالي وتفقرون الى بحار الانائية وتستغرقون فى لجج الاحوال وتخرجون منها بالعربدة فاوجد اقواما من المستقيمين على بساط جبروتى وساحات ملكوتى ولا يزوغون عن سبل التمكين الى شغب التلوين قال بعضهم لا يستقر على حقيقة بساط العبودية الا اهل السعادة وقد يطأ البساط المترسمون بالعبودية اوقاتا ثم لا يستقرون عليه ويبدل الله مكانهم فيه من اوجب لهم السعادة الا تراه يقول وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا امثالكم.