الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

قوله تعالى { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } وصى الانسان بالاحسان الى ابويه لانهما اسباب وجوده ومصادر افعال الحق بدأ منهما بدائع قدرته وانوار ربوبيته فحرمتهما حرمة الاصل ومن صبر فى طاعتهما رزقه الله حسن المعاشرة على بساط حرمته وقربته قال بعضهم اوصى الله العوام ببر الوالدين لما لهما عليه من نعمة التربية والحفظ فمن حفظ وصية الله فى الابوين وفقه بركة ذلك لحفظ حرمات الله تعالى وكذلك رعاية الاوامر والمحافظة عليها توصل بركاتها بصاحبها الى محل الرضا والانس قوله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } وصف الله الصدّيقين فى طرفين من اعمارهم انهم فى عنفوان شبابهم واشد أسنانهم اهل الاجتهاد والرغبة فى الطاعات وفى اربعين سنة هم اهل الكمال فى العقول والفهوم والاستعداد لقبول الوحى والالهام والكلام والكشف والعيان ألا ترى كيف عرف شانه الصديق رضى الله عنه حين بلغ اربعين سنة فى صحبة النبى صلى الله عليه وسلم فى اول شبابه بما اخبر الله عنه بقوله { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } اى الهمنى رشد التوفيق والبس قلبى ولسانى نور عرفانك وقوة فيض مشاهدتك أشكر بهما نعمة مشاهدتك ومعرفتك وصحبة رسولك فانه أعظم النعم منك علىّ وعلى والدى قال ابن عطا خاطب الله الانبياء وبعثهم عند كمال الاوصاف وتمام العقول وهو الوقت الذى اخبر الله تعالى عن تمام خلقه عباده حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة وقال سهل فى قوله رب اوزعنى اى الهمنى التوبة والعمل بالطاعة قوله تعالى { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } العمل الصالح المقرون بالرضا بذل النفس لله والخروج مما سوى الله للوصول الى مشاهدة الله قال سهل العمل المرضى ما كان اوايله على الاخلاص مقيدا باتباع السنن قوله تعالى { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } اجعلهم أولياءك واهل معرفتك وطاعتك قال سهل اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق وقال محمد بن على لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلا.