الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

قوله تعالى { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } جهلوا العظمة وظنوا ان العظيم هو من له غنى وقوة نفسانية ولو يعلموا ان العظيم هو من عظمه الله بعظمته وكساه انوار سلطانه وبرهانه وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم انه عظم قدره فى الدارين بقدر الله وخصه بما قسم له فى الازل بالرسالة والنبوة والشرف والكرامة ووبخهم الله بما تمنوا فى القسمة بقوله { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } جعل معيشة البعض إرادة وجعل معيشة البعض علما وخدمة وجعل معيشة البعض ايمانا وصدقا وجعل معيشة البعض توبة وانابة وجعل معيشة البعض محبة وشوقا وعشقا وجعل معيشة البعض معرفة وتوحيدا وجعل معيشة السالكين الفراسات وجعل معيشة الزاهدين الكرامات وجعل معيشة العارفين تراكم الواردات وجعل معيشة الفقراء القناعة والتوكل والرضا والتسليم هذا للمقبلين اليه وللمدبرين عنه الغى والضلالة والجهل والغباوة والدنيا الكثيرة الشاغلة من الله عن الله وهم ايضا فى ذلك متفاوتون فبعضهم اعلى من بعض بالمعرفة وبعضهم أعلى من بعض بالمشاهدة وبعضهم اعلى من بعض فى المكاشفة وبعضهم اعلى من بعض فى المحبة وكذلك فى جميع المقامات كما فضل بعض اصحاب الدنيا فى الرزق والمعيشة قال الواسطى فى قوله نحن قسمنا رزق قوم حلالاً ومدحهم عليه وقوم شبهة وذمهم عليه وقوم حراما وعاقبهم عليه مؤخذاً موسرا بالحرام المحض ولم يلمه عليه قال النبى صلى الله عليه وسلم " ان روح القدس نفث فى روحى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها الا فاتقوا الله واجملوا فى الطلب " وقال الله { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } وقال سهل فضلنا بعضهم على بعض فى المعرفة والطاعة عيشا لهم فى الدنيا والاخرة قال الجنيد بالتمييز وحفظ السر وقال بعضهم بالثقة والتوكل وقال بعضهم بمعرفة كيد النفس ووسواس الشيطان ثم بين انّ الله سبحانه بأخر الأية ان ما عنده من الاصطفائية الازلية وكشف مشاهده العزيزة الكريمة التى مقدسة من شوايب الاكتساب خير مما يجمعون عن جميع الفضائل وان عيش الأخرة للمؤمنين خير من العيش فى الدنيا بقوله { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } قال سهل الذكر لله خالصا خير من كثرة الاعمال لطلب الجزاء وقال ابن عطا ما يعطيهم على سبيل الفضل خير لهم مما يجازيهم.