الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ }

قوله تعالى { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } لطيف باوليائه واهل معرفته ومحبته بان اودع ارواحهم فى الازل ودائع العلم اللدنى وانوار محبته الازلية واصطفاهم بقربه ووصاله واغرقهم فى بحار شوقه وعشقه ومعرفته ثم طالع اسرارهم بعلومه القديمة فراى لهب نيران قلوبهم من شوقه لا يخفى عليه هيجانهم وهيمانهم وشوقهم اليه فجذبهم من مكمن العدم أولاً إلى نور القدم واشهدهم على مشارب بحار الذات والصفات ثم جذبهم الى بساط العبودية وتلطف عليهم بان رفع عنهم اثقالها تلطفا وكرما حتى سهل عليهم مسالك الاستقامة ثم جذبهم الى مشاهدة الربوبية وادناهم منه ودنا منهم حتى يبقى البين فى البين قال تعالى فى وصف حبيبه دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ثم حماهم من قهر غيرته والبسهم قباء انوار بقائه وتوَّجهم بتيجان المسرة وشد فى اوساطهم مناطق الحرمة واجلسهم على ارائك المملكة وخاطبهم باسرار ملكه وملكوته وجعلهم اهل سره واكرمهم بكشف ملكه لهم حتى حكموا فيه بشرط الانبساط لا يثقل عليهم حقوق المعارف ولا يجرى عليهم الا انوار الكواشف هم طيور مناهل الوصال يطيرون فى بساتين الجمال والجلال ويترنمون بالحان الصفات ويخبرون اهاليهم من اسرار الذات طوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى لهم وحسن ماب فارجو من كمال كرمه القديم وجوده العميم ان اكون طيرا من ملك البلابل اصفر بصفير الصفات واترنم من بطنان غيب الذات سُكرانا من رؤية الذات والها بالصفات ووالها من شرب الصفات مشغوفا بسنا الذات ثم افنى فى الذات وابقى فى الصفات ولا يجرى عليّ بعد ذلك طوارق الفناء فابقى بقاء الابدى واتدارك ما فات منى من المعية القدمية مع القدم فان الأخر بالحقيقة اول والاول أخر والظاهر باطن والباطن ظاهر فنحن الاولون حيث قام الحق باوليته مقام اوليتنا وان كنا معدومين ونحن الأخرون من حيث البسنا الحق وصف بقائه ونحن الظاهرون بظهوره علينا ونحن اهل الباطن والغيب اذ لا غيب فى الكشف ولا باطن فى الظهور تعالى الله عن ان يدركه بوصف غيره رزق الله هذه المراتب العلية والمواهب السنية من أمن بنا وبكل ولى صدر من بساتين الغيب ومشارب القرب الذين يتكلمون بمثل هذه الكلمات البديهية الإلهية الرّبانية كما قال سبحانه { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } قوى باصطفائيتهم مما اختار لهم فى ازله الى ابده قال ابن عطاء فى قوله الله لطيف بعباده يعلم من انفسهم ما لا يعلمونه من نفوسهم فربط كلا بحده فمن بقى مع حده حجب ومن تجاوز حده هلك قال ابو سلمان الدارانى من لطف الله بعبده ان قصّر له كنه معرفته حتى لا تتكدر عليه نعماؤه وقال الجنيد اللطيف الذى لطف باوليائه حتى عرفوه وقال ابن عطاء اللطيف الذى يعرف الغيوب بلا دليل قال بعضهم اللطيف الذى ينسى العباد فى الأخرة ذنوبهم لئلا يتشرّدوا وقال بعضهم الذى لم يدع احد يقف على مائة اسمائه فكيف الوقوف على مائة وصفه وذاته وقال ابو سعيد الخراز فى قوله الله لطيف بعباده موجود فى الظاهر والباطن والاشياء كلها موجوده به لكن يوجد ذكره فى قلب العبد مرة ويفقده مرة ليحدد بذلك افتقاره اليه وقال القاسم فى قوله يرزق من يشاء الفطنة والحكمة وهو القوى العزيز القوى تقوى الفطن والعزيز عزز عنايته ورعايته ولا يبذلها لكل احد قال الاستاذ اللطيف هو العالم بدقائق الرموز وغوامضها.