الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قال الله تعالى { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } اى من هموم فراقه ومقاساة بلائه ودوام الحزن فى عبوديته والكابة فى خدمته وانتظار الفرج من سجنه فهذه المقاسات عقوباته وبلاياه التى امتحنهم بها فى الدنيا فيرفع الله ذلك عنهم ابد الآبدين ويفرغ على الجميع من بحار كرمه سيول الرحمة والانعام ولا يبقى ذرة من بلائهم الا وهو يجازيه بحسن صحبته وكشف نضارة وجهه تعالى الله عن التشبيه قال الله تعالى { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } سرعة حسابه تعالى ان لو كان مثل ما خلق الف الف مرة وبكل ذرة منها عالم وفيه على قدر كل ذرة خلق وهم يعملون على أضعاف ما عملوا فيريهم جميع ذلك فى اقل لمحة بحيث هم يعرفونها ويرونها ثم يجازيهم باقل من لمحة وهو قادر بذلك وهٰهنا ان يسال عنهم اعمالهم فيغفر لهم ذنوبهم فى اقل من لمحة وهو غفور شكور رحيم ودود قال سهل فى قوله رفيع الدرجات ذو العرش يرفع درجات من يشاء فى الدارين يجعله عزيزا فيها والعرش اظهاراً لقدرة لا مكانا لذاته يلقى الروح من امره على ضروب فمن القى اليه روح الصفا انطقه بها واحياه حياة الابدى والروح روحان روح بها حياة الخلق واخرى لطيفة بها ضياء الحق وقال فارس زين العرش بانوار ذاته فلا يوازيه شئ ولا يقابله مثل وقال الحسين العرش غاية ما اشار اليه الخلق وقال ابن عطا فى قوله يلقى الروح حياة الخلق على حسب ما القى اليهم من الروح فمنهم من القى اليه روح الرسالة ومنهم من القى اليه روح النبوة ومنهم من القى اليه روح الصديقية ومنهم من القى اليه روح الشهادة ومنهم من القى اليه روح الصلاح ومنهم من القى اليه روح العبادة والخدمة ومنهم من القى اليه روح الهداية ومنهم من القى اليه روح الحياة فقط فهو ميت فى الباطن وان كان حيا فى الظاهر وقال جعفر يخص من يشاء من عباده بترويح سره بمعرفته وتزيين نفسه بطاعته وقال الاستاذ روح هو روح الالهام وروح هو روح الاعلام وروح هو روح الاكرام وقال ابن عطا فى قوله لمن الملك اليوم لولا سوء طباع الجهال وقلة معرفتهم لما ذكر الله قوله لمن الملك اليوم فان الملك لم يزل ولا يزال له وهو المَلِك على الحقيقة ولكن لما جهلوا حقه وحجبوا عن معرفته فى الدنيا شاهدوا الملك وحقيقته الجاهم الاضطرار الى ان قالوا لله الواحد القهار وقال الواحد الذى بطل به الاعداد والقهار الذى قهر الكل على العجز بالاقرار له بالعبودية طوعا وكرها قال جعفر اخرس المكونات ذوت الارواح عن جواب سواله فى قوله لمن الملك اليوم فلم يجسر احد على الاجابة وما كان تحقيق ان يجيب سواله سواه فلما سكنت الالسن عن الجواب اجاب نفسه بما كان يستحق من الجواب فقال لله الواحد القهار وقال ابن عطا فى قوله اليوم يجزى من طالع من نفسه افعاله واذكاره وطاعته جزى على ذلك ولا ظلم عليه فيه ومن طالع فضله ومنه اسقط عن درجة الجزاء على مقام الافضال والرحمة بقوله قل بفضل الله وبرحمته وفبذلك فليفرحوا وقال ابو بكر بن طاهر يريك جزاء كسبك وما تستحق بذلك لترى بعد ذلك محل الفضل والكرم.