الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } * { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } * { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }

قوله تعالى { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } وصف الله عرّاف ملائكته الذين البسهم الله قوّة جبروته ونور ملكوته وهم اللاهوتيون يحملون كنز الاعظم بعظمه الله وقوّته والسكر من شراب قربه ومحبته وفيض مشاهدته يطيرون فى هواء هويته بالاجنحة القدوسية والرفارف السبوحية مع مرأة الوجود وكنوز الجود حيث يشاء الحق سبحانه من الاماكن والمشاهد يسبحون مما يجدون منه القدس والتنزيه حمداً لافضاله وبانه منزه عن النظير والشبيه يومنون به فى كل لحظة بما يرون منه من كشوف صفات الازليات وانوار حقائق الذات التي تطمس فى كل لمحة مسالك رسوم العقليات وهم يقرون كل لحظة بجهلهم عن معرفة وجوده ثم بين انهم أهل للرقة والرحمة والشفقة على أوليائه لانهم اخوانهم فى نسب المعرفة والمحبة يستغفرون لهم حين اقروا كلهم بانه تعالى لا يدركه غوص الاوهام ولا يحويه بطون الافهام سالوا غفرانهم لما جرى على قلوبهم من انهم على شئ فى معرفته { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } اوجدت الوجود برحمتك القديمة وعلمك الازلى حتى يخلو ذرة من العرش الى الثرى من رحمتك وعلمك وجعلت الكل مرأة نفسك تجليت منها لاهل الخضوع من العارفين تظهر انوار جمالك منها لاهل رحمتك وهم اهل المحبة والعشق والشوق وتبرز منها بنعت الجلال والالوهية والقدم والبقاء لاهل المعرفة والتوحيد { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } اى اغفر للذين تابوا من وجودهم فى وجودك ورجعوا من دونك اليك واستقاموا سبيل المعرفة بعظمتك وجلالك وعجزهم عن ادراك عزتك بانك تؤويهم الى أكناف قربك وتريحهم من صولة جبروتك بما تكاشف لهم من جمال سرمديتك وعجبت من رحمة الملائكة المقربين كيف تركوا المصرين على الذنوب عن استغفار هذه قطعة زهد وقعت فى مسالكهم اين هم من قولة سيد البشر صلى الله عليه وسلم حين آذوه قومه قال " اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون " اعمّوا الاشياء بالرحمة ثم اخصوا منها لتائبين يا ليت لو بقوا على القول الاول وسالوا الغفران للجميع التائبين والعاصين قال ابن عطا فى هذه الأية من خلقوا مطيعين قائمين لله بالتسبيح والتنزيه يستغفرون لمذنبى المؤمنين وهم غافلون عن الندم على ذنوبهم والاستغفار منها، قال بعضهم: الطالب للمغفرة من يتبع الرشد ويخالف نفسه ومراده وقال سهل فى قوله فاغفر للذين تابوا من الغفلة وأنسوا بالذكر واتبعوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } يرفع درجات المريدين الى الكرامات ويرفع درجات المحبين الى المشاهدات ويرفع درجات العارفين الى معرفة الذات والصفات ويرفع اهل المواجيد الى شهود الجمال واهل السلوك الى مشهد العظمة والجلال ويرفع الزاهدين الى الجنان ويرفع المنقطعين اليه الى درجة الايقان والعرفان ويرفع النفوس بعد تقديسها بالمجاهدة والرياضة الى جنته يرفع العقول الى رؤية انوار سلطانه فى برهانه ويرفع الارواح الى قرب مجالس الانس ويرفع الاسرار الى مراقد القدس ويرفع اليه سرا خالصا من جميع الدرجات حتى لا يبقى بينه وبين الحق درجة وصار انوار الذات والصفات منازل شهوده فيكشف كل نور له فيغيب فى الانوار ويفنى فى الاسرار ثم يفنى فى البقاء ويبقى الحق بالحق ولا فوق الحق الا بالحق وهو فوق كل الدرجات بقهر الربوبية وسلطنة الكبرياء وذلك قوله { ذُو ٱلْعَرْشِ } اى ذو العرش الذى يحيط بجميع الكائنات وهو اقل من خردلة فى جلال عزة كبريائه وذكر العرش على حد العقول لان العقل لا يصل الا الى مثله وهناك عالم العقل فتستقر العقول هناك وهو متعلق بافعاله تعالى والافعال قائمة بصفاته وصفاته قائمة بذاته وذلك سر استوائه على العرش فجواب الاستواء قوله ذو العرش اى مقهور لسلطان عزته محتاج الى لباس نور قدرته مكون بايجاده تعالى الله بذاته وصفاته عن ان يشهده الاماكن والجهات هو منور بنور تجلى صفاته وهو مرأة فعله يظهر منها مقدرات والايات وقضيات والعلم والقضاء والقدر وهو روح فعلى فوقه روح صفتى وفوق تلك الروح روح ذاتى وذلك تجلى الصفات وتجلى الذات للعارفين وذلك قوله { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } فيقع الامر على ما ذكرنا فامره فعله وقوله وصفاته وذاته فظهور نور الذات امر خاص للانبياء والمرسلين وظهور نور الصفات امر خاص لاهل المعرفة والتوحيد ونور العقل امر بديهى لاهل محبته والموقنين فى رؤية اياته فهؤلاء مخصوصون بتلك الارواح من حيث الوحى والرسالة والالهام والحديث والكلام والكشف والعيان ليخوّفوا العباد من المشهد العظيم وبروز سطوات عظمة العظيم يوم المشاهدة ويوم المكاشفة ويوم المخاطبة حيث يلقى المحب المحبوب والعاشق المعشوق والعبد الرب والعارف المعروف الموحد الموحّد تعالى بقوله { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } اى يوم كشف اللقاء.

السابقالتالي
2