الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } الحاء عين حياة الازل والميم مناهل المحبة الخاصة الصفاتية الابدية ومن خصه الله لقربه سقاه من عين حياته حتى يكون حيا بحياته لا يجرى عليه بعد ذلك طوارق الفناء لان الحق اذا تجلى من حياته التى هى صفته الازلية لروح قدس يخرجها من ضرر الفناء والموت لانه هو محل الاتصاف بصفته وصفاته ممتنعة من تغاير الحدثان قال تعالى بل احياء عند ربهم ثم سقاه من منهل محبته فيصير سكران شوقه وعشقه والها بجمال وجهه لا يمنعه من ذلك الاكوان بأسرها فمن حيث الحياة يحيا العالم بانفاسه الربانية مثل عيسى عليه السّلام ومن حيث المحبة يطلب بجماله قلوب الخلائق اجمعين حتى يشتاقون من النظر اليه الى جمال الحق مثل محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينطق من جاء الحياة بعبارات الحكمة ومن ميم المحبة من اشارات العلوم المجهولة التى لا يعرفها الا الواردون على مناهل القدم والبقاء ومعنى قوله تنزيل الكتاب اى هذان الحرفان اللذان عما مطينان احمالهما مظنات هذه المعانى المنزلة من عند الله الحى القيوم الملك المهيمن العزيز المتكبر العليم الحكيم الى الحبيب المحب الذى هو وسيلة الحق من الحق الى الحق والسفير منه الى عباده واحبائه ومشتاقيه اى من الله الذى الوهيته عزيزة ممتنعة عن مطالعة الخليقة الغالبة على كل ذرة من العرش الى الثرى عالم ببطون الغيوب ومضمرات القلوب وحركات الارواح وعلل الاشباح يعز العارفين بعزته ويشوق المحبين الى جمال مشاهدته بمحبته الازليّة التى سبقت فى الازل لاهل خالصته انزل هذا التنزيل الى سيد المرسلين وامام العالمين ليبشر بنزوله اهل نزل مواهبه السنية ومعارفه المقدسة وليفرح فواد المهتمين على ما جرى عليهم خطرات الامتحان وهواجس النفس والشيطان بقوله { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } يستر ذنوب المذنبين بحيث يرفع عن ابصارهم حتى ينسوها ويقبل عذرهم حين افتقروا اليه بنعت الاعتذار بين يدى ربه { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } لمن لا يرجع إلى الماب بان عذبه بذل الحجاب { ذِي ٱلطَّوْلِ } لمن افنى نفسه لنفسه وطوله طول كشف جماله فى اوقات الواردات والمواجيد من خصه بالقرب والجمال ثم وصف نفسه بالتنزيه والتقديس ونفى الاْنداد والاضداد فى ربوبيته وعرفان عباده وتعذيب عصاته بقوله { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } اليه يرجع كل مشتاق وكل عارف محب عاشق يقبل منهم عذرهم فى تقصيرهم فى العبودية وقلة عرفانهم حقوق الربوبية هو مصدر الكل ومصير الكل مصادر القدم معاونهم لا العدم فان العدم لا شئ فى شئ وهو موجد الاشياء بلا علل ولا حيل ثم من غيرته بعدم الكل حتى لا يبقى فى ساحة الكبرياء اهل الفناء قال تعالى

السابقالتالي
2