الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قوله تعالى { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } التمنى هٰهنا وصف النفس الامارة التى رات الاشياء بعين الجهل وقصورها عن حقائق المقادير الازلية التى سبقت فى الجمهور على قدر مراد الله والاستعداد وذلك التمنى وهما على غير بقصد الحق من رؤية هواها ولو كان طلب القلب سنى المقامات من الحق سبحانه بنعت التواضع وصدق الافتقار لكان حقا يوجب البلوغ اليه وذلك قوله واسألوا الله وايضا زجر الضعفاء عن جمال احكام المجاهدات تمنى مقام اهل المشاهدات وقال بعضهم لا تتمنوا منازل السادات والاكابر ان تبلغوها ولم تهذبوا انفسكم فى ابتداء ارادتكم برياضات السنن ولا اسراركم بالتطهير عن الهمم الفاسدة ولا قلوبكم عن الاشتغال بالفانية فان الله قد فضل بهذه الاحوال اولئك فلا تقربوا الى الدرجات الاعلى وقد ضيقتم الحقوق الادنى قال ابو العباس بن عطاء لا تتمنوا فإنكم لا تدرون ما تحت تمنيكم فان تحت انوار نعمة نيران محنة وتحت نيران محنة انوار نعمة قال الواسطى فى هذه الآية ان تمنى ما قدر له فقد اساء الظن بالحق وان تمنى ما لم يقدر له فقد اساء الثناء على الله بان ينقص قسمته من اجل تمنى عبده. قوله تعالى { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } امر بالسوال ونهى عن التمنى لان السوال افتقار والتمنى اختبار والسوال استراد النعمة والتمنى الاقتحام فى المحنة وعرف تعالى طلابه عظم فسحة سرادق كبريائه وجلاله ووسع عطايا ازليته اى انتم يا دنيات الهمم لا تنظروا الى فقيرات الفيض فانى واسع الفضل والعطاء لو أعطي الف جنان فى طرفة عين الى عبد واحد لم ينقص من ملكى ذرة اين وقعتم من روية جلال قدمى وبحار منني انظروا منى الى واسألوا زيادة فضل فانى وهاب كريم وافهم ان للسؤال مقامات ولتلك المقامات ادب ينبغى ان يعرفها العبد فان من ترك السوال فى مقام الانبساط وسال فى مقام الهيبة استعمل سوء الادب ويسقط من عين الله ووبخ الله سبحانه بهذه الاية اهل دناءة الهمة والمقصرين فى طلب مشاهدته وحيث خاطبهم لا تتمنوا فقال وسألوا الله من فضله حجبهم جميعاً بالفضل عن رؤية جماله ولو كانواعلى محل التحقيق من معرفته ومحبته لم يحملهم الى الفضل بل يردهم الى نفسه كما وصف صفية عليها السلام حيث اعرض اليه الاكوان والحدثان فى مقام المشاهدة ما زاغ سره اليها بقوله ما زاغ البصر وما طغى قال ابن عطاء فى قوله واسئلوا الله من فضله فان عنده انوار كرمه قال الواسطى لو لم يعط الا على السوال لكان الكرامة ما هو امر المعروف بالكرم من يبتدئ بالعطاء قبل السوال.