الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }

قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } بمعنى قوله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً } انه وصف من يحمل بسربال جلاله الذى يتلالأ منه حسن وجه القدم وطار بجناح المحبة والشوق فى هواء هويته فيجد طريقا من الازل إلى الأزل فيسير من الله الى الله الى ابد الابد فتلك المسالك دينه اى دين احسن من هذا وهو بجلاله وعظمته دليلة منه إليه لمن ينطمس مسلك الازال والاباد ما دام بعزته ومجده امام مطايا اسراره وعلم رواحل انواره
اذا نحن ادلجنا وانت امامنا   كفى لمطايانا بلقياك هٰهنا
بان سمات الحسن منه حين اسلم وجهه لله الى جمال الله فيتجلى من وجهه تعالى لوجه قاصده فيبرز نور وجه القدم من وجهه افنى وجوده لادراك وجوده وهو محسن اى عارف وعالم بما يطلب ومقصده مشاهدة الباقى بنعت الفناء فيها فسهَّل عليه اضمحلاله بالله في الله قال ابن أدهم من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل فنعته في الفناء فيه اتصافه برضاه فيرضى عنه فيما يريد منه ومثل هذا الدين دين الحنيفية الحبيبية الجليلية المسائلة عن الحدثان فى مشادة الرحمن الا ترى كيف وصف حبيبه بقولهمَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } حين راه لم يلتفت الى الحدثان وكيف وصف خليله حين برز انوار جلاله له من مطالع القدر ببراءته عن الحدث بقولهإِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وبين تعالى ان تمام حسنه لم يكن الا بمتابعة خليله { واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } وملته كسر اصنام الطبيعة تفأس الحقيقة فى بداية المحبة واذهاب عرائس الملكوت من خاطره بقولهإِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } بعد قولههَـٰذَا رَبِّي } حين انكشف فى عينه جمال الجبروت الأول مقام الإيقان والآخر مقام العرفان وطريق تسليم نفسه لله في محل الامتحان بنعت سلامة القلب عما دون الرب قال تعالىيَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وزاد فى وصفه بقولهأَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } امتحن تسليمه بذبح الولد فأمَرَّ السكين على حلقه سبعين مرة وامتحن بنفسه بإلقائه فى النار فعرضه جبرئيل عليه السلام المعاونة فقال ألك لى حاجة فقال اما اليك فلا وبين سبحانه اذا كان الخليل بهذه الصفة فى عبوديته وعرفان ربوبيته اتخذه كان فى الازل خليل الله بلا علة ولا تهمة اصطفاه بالخلة فى الازل ولو كان خلته بعوض ما كان فضلا لان اصفطائيته بالخلة وصف الازل والازل قديم بل وجود الحوادث حين اقبل صفته تعالى وهى المحبة الى الذات واقبل الذات الى الصفة وتجلى الصفات للذات وتجلي الذات للصفات ثم تجلى الذات والصفات للفعل وتجلى الفعل الى القدم فظهر الخليل بوصف الخليل ويرى الخليل الخليل بعين الجليل فصار جليلا للجليل ولذلك قال تعالى { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } وهذا الذى بعينه للحبيب والحبيب افضل من الخليل لان المحبة لب الخلة ثم صرح بالاشارة ان المحسن الراضى اذا تابع الحبيب والخليل فيما ذكرنا صار حبيب الله وخليل الله قال بعضهم فى هذه الاية اى من احسن حالا ممن رضى بمجاري القدور عليه فى العسر واليسر واسلم قلبه الى ربه واخلص وجهه له وهو محسن اى متبع لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال ابو بكر من ظاهر واتبع ملة ابراهيم حينفاً اى يخرج من الكونين اقبالا منه على الحق وقال الواسطى حنيفا اى مظهراً من أدناس الكون خالصا للحق مما يبدو له وعليه قال ابن عطاء اتخذه خليلا ولم نخالك سرائره شيئا غيره فان لك حقيقة الخلة وانشد

السابقالتالي
2