الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } اصل كل طاغوت النظر الى النفس والى ما سوى الله من العرش الى الثرى فى طريق افراد القدم عن الحدوث على وجه الاقبال إلى شئ دونه فالذين جانبوا الكل وانابوا الى اصل كل اصل بنعت الاستعانة به فلهم النظر الى جماله ولهم النظارة والبشارة فى وجهه والفرح بمشاهدة جماله فهم مربوطون فى الدنيا عند كل نفس ببشارة منه بانهم يرونه على وفق مرادهم ومحبتهم ثم زاد فى وصفهم بقوله { فَبَشِّرْ عِبَادِ } امر حبيبه صلى الله عليه وسلم بان يبشرهم بالرضوان الاكبر ثم بين استحقاق البشارة لهم باى وجه يلحق بهم بقوله { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ } يستمعون الحق من الحق من حيث الحق { فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } يبتغون كل الخطاب بالايمان وعلى ما يوافق مراد الحق منهم بالعمل فاذا الكل حسن مبارك فمن حيث رسوم الأمر أحسنه ما يطيقون حمله من وارد الخطاب بنعت متابعته وفى الحقيقة الأحسن ما لم يوافق طباع الحدثان وذلك مثل اى المتشابه فى عرفان الذات والصفات فالاوامر والنواهى أحسن لهم والانباء من علوم الذات والصفات احسن للحق ولكن من حيث ان القول صفته فالكل حسن من حيث معانى الصفة وايضا يتبعون أحسنه من الاعمال السيئة والاخلاق الكريمة وبين ان هذه المتابعة منهم من هدايته لهم وتعريف نفسه اياهم وانه تعالى جعلهم الالباء المستعدين لقبول قوله وادراك خطابه بالفهوم النورية والعقول الصافية والذكاء العجيب بقوله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } قال سهل فى قوله والذين اجتنبوا الطاغوت: الدنيا واصلها الجهل وفرعها المآكل والمشارب وزينتها التفاخر وثمرتها المعاصى وميراثها القسوة والعقوبة وقال الاستاذ طاغوت كل احد نفسه وانما يجتنب الطاغوت من خالف هواه وعانق رضا مولاه قال ابو بكر بن طاهر فى قوله فبشر عباد بشر الله تعالى من فتح سمعه لاستماع الاحسن من سماعه لا من سمعه على العادة والطبع فان المتحقق فى السماع من يعرف حاله فى وقت السماع فيتبع الاحسن مما يسمع ويدع ما فيه شبهة واشتباه وصفهم الله تعالى بالهداية اليه والعلم به العقل فيما يسمع بيّن الشيخ ابو بكر بن طاهر قدس الله روحه ان المراد به سماع القول وان العارف العاشق بجمال الحق يلقى سمع الخاص فى مقام المراقبة على بساط القرب والحق سبحانه يتكلم بكل لسان من العرش الى الثرى فلحظة نطق على ألسنة الطيور فى ألحانها وساعة نطق فى اصوات الخلائق المختلفة وعلى ألسنة السمٰوات والارضين والجبال وحركات الرياح والاشجار والمياه وعلى ألسنة الملائكة والارواح والنفوس فبعض إلهام وبعض إلمام وبعض وحى وبعض كلام فالاحسن منها ان يتكلم معهم بكلامه العزيز الخاص الصفاتى الذاتى الخارج من الوسايط والوسايل فذلك العارف العاشق يسمع الكل من روحه ونفسه وعقله وقلبه وعدوه والملك والاولياء والانبياء وحركات الاكوان واهلها فيتبع جميع الخطابات من حيث ادراك حقائقها ما يوافق حاله وعلمه وعمله رسما ويتبع الكلام الازلى الذى هو احسن الخطاب بالفهم العجيب والعلم الغريب والادراك الصافى وانفراد الحق من المخلوق بالمحبة والشوق والعشق والمعرفة والتوحيد والاخلاص والعبودية والربوبية والحرية فهذا فضل ورد بالبديهة من حيث ظهور الانباء الغيبية والروح القدسية والالهامات الربانية قيل هذا فضيلة لمحمد صلى الله عليه وسلم على غيره ان الاحسن ما ياتى به وان كان الكل حسنا ولما وقعت له صحبة التمكين ومقارنة الاستقرار قيل خلق الكون ظهرت عليه الانوار فى الاحوال وكان معه احسن الخطاب وله السابق فى جميع المقامات الا تراه صلى الله عليه وسلم يقول

السابقالتالي
2